للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيهَا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، «وَكَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حَائِضٌ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِعَائِشَةَ: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَتْ: إنِّي حَائِضٌ. قَالَ: إنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ فِي يَدِك» .

الضَّرْبُ الثَّانِي مَا أُكِلَ لَحْمُهُ؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ سُؤْرَ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَالْوُضُوءُ بِهِ. فَإِنْ كَانَ جَلَّالًا يَأْكُلُ النَّجَاسَاتِ. فَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ نَجِسٌ.

وَالثَّانِيَةُ: طَاهِرٌ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.

الضَّرْبُ الثَّالِثُ السِّنَّوْرُ وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ؛ كَالْفَأْرَةِ، وَابْنِ عِرْسٍ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ سُؤْرُهُ طَاهِرٌ، يَجُوزُ شُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ. وَلَا يُكْرَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالشَّامِ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الْوُضُوءَ بِسُؤْرِ الْهِرِّ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَهُ، وَكَذَلِكَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، يُغْسَلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ: يُغْسَلُ مَرَّةً.

وَقَالَ طَاوُسٌ: يُغْسَلُ سَبْعًا، كَالْكَلْبِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: «إذَا وَلَغَتْ فِيهِ الْهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً» .

وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، قَالَتْ: فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْت: نَعَمْ. فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ.

وَقَدْ دَلَّ بِلَفْظِهِ عَلَى نَفْيِ الْكَرَاهَةِ عَنْ سُؤْرِ الْهِرِّ، وَبِتَعْلِيلِهِ عَلَى نَفْيِ الْكَرَاهَةِ عَمَّا دُونَهَا مِمَّا يَطُوفُ عَلَيْنَا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْت أَتَوَضَّأُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ، قَدْ أَصَابَتْ مِنْهُ الْهِرَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ» .

وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ. وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

<<  <  ج: ص:  >  >>