للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فَإِنْ أَرَادَتْ إرْضَاعَ وَلَدِهَا مِنْهُ هَلْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا]

(٦٥٥٨) فَصْلٌ: فَإِنْ أَرَادَتْ إرْضَاعَ وَلَدِهَا مِنْهُ، فَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ رَضَاعِهِ؛ لِعُمُومِ لَفْظِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِاسْتِمْتَاعِهِ مِنْهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّانِي، لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ أَرَادَتْ رَضَاعَ وَلَدِهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ أَوْ مُطَلَّقَةً، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] وَهَذَا خَبَرٌ يُرَادُ بِهِ أَمْرٌ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ وَالِدَةٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ حَمْلُهُ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُنَّ رِزْقَهُنَّ وَكِسْوَتَهُنَّ، وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ جَعْلَ ذَلِكَ أَجْرَ الرَّضَاعِ وَلَا غَيْرَهُ، وَقَوْلُنَا، فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إنَّهُ يُخِلُّ بِاسْتِمْتَاعِهِ

قُلْنَا: وَلَكِنْ لِإِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا، كَمَا أَنَّ قَضَاءَ دَيْنِهِ بِدَفْعِ مَالِهِ فِيهِ وَاجِبٌ، لَا سِيَّمَا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ، فِي كَوْنِهِ مَعَ أُمِّهِ، وَحَقُّ الْأُمِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى.

[فَصْلٌ وَإِنْ أَجَّرَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ]

(٦٥٥٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَجَّرَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، صَحَّ النِّكَاحُ، وَلَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ، وَلَا مَنْعَهَا مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ عَلَى نِكَاحِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُسْتَأْجَرَةً، أَوْ دَارًا مَشْغُولَةً فَإِنْ نَامَ الصَّبِيُّ، أَوْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِهَا، فَلِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ مَنْعُهُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا بِرِضَاءِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ اللَّبَنَ وَلَنَا، أَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ مَعَ إذْنِ الْوَلِيِّ، فَجَازَ مَعَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْإِذْنُ فِيمَا يَضُرُّ الصَّبِيَّ، وَيُسْقِطُ حُقُوقَهُ.

[فَصْلٌ أَجَّرَتْ الْمَرْأَةُ الْمُزَوِّجَة نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا]

(٦٥٦٠) فَصْلٌ: وَإِنْ أَجَّرَتْ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ، بِإِذْنِ زَوْجِهَا، جَازَ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا وَإِنْ أَجَرَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ زَوْجِهَا، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْآخَرُ، يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ مَحِلًّا غَيْرَ مَحَلِّ النِّكَاحِ، لَكِنْ لِلزَّوْجِ فَسْخُهُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الِاسْتِمْتَاعُ وَيَخْتَلُّ وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ يَفُوتُ بِهِ حَقُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ بِعَقْدٍ سَابِقٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَإِجَارَةِ الْمُسْتَأْجَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>