للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْجِرَاحِ] [فَصْلٌ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ]

ِ يَعْنِي كِتَابَ الْجِنَايَاتِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهَا بِالْجِرَاحِ لِغَلَبَةِ وُقُوعِهَا بِهِ، وَالْجِنَايَةُ: كُلُّ فِعْلِ عُدْوَانٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ. لَكِنَّهَا فِي الْعُرْفِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّعَدِّي عَلَى الْأَبْدَانِ، وَسَمَّوْا الْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ غَصْبًا، وَنَهْبًا، وَسَرِقَةً، وَخِيَانَةً، وَإِتْلَافًا. (٦٥٨٠) فَصْلٌ: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: ٩٢] . وَقَالَ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣] . الْآيَةَ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ؛ الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرَوَى عُثْمَانُ، وَعَائِشَةُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ، فِي آيٍ وَأَخْبَارٍ سِوَى هَذِهِ كَثِيرَةٍ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي تَحْرِيمِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ مُتَعَمِّدًا، فَسَقَ، وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُقْبَلُ. لِلْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. وَلِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَالْأَخْبَارُ لَا يَدْخُلُهَا نَسْخٌ وَلَا تَغْيِيرٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ إلَّا صِدْقًا.

وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] . فَجَعَلَهُ دَاخِلًا فِي الْمَشِيئَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] . وَفِي الْحَدِيثِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: إنَّ رَجُلًا قَتَلَ مِائَةَ رَجُلٍ ظُلْمًا، ثُمَّ سَأَلَ: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَدُلَّ عَلَى عَالِمٍ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، وَلَكِنْ اُخْرُجْ مِنْ قَرْيَةِ السَّوْءِ، إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ، فَاعْبُدْ اللَّهَ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>