للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْخَطَأَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا لَا يُرِيدُ بِهِ إصَابَةَ الْمَقْتُولِ، فَيُصِيبَهُ وَيَقْتُلَهُ، مِثْلَ أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا أَوْ هَدَفًا، فَيُصِيبَ إنْسَانًا فَيَقْتُلَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرَ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ، أَنْ يَرْمِيَ الرَّامِي شَيْئًا، فَيُصِيبَ غَيْرَهُ، لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الْخَطَإِ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.

وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] . وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لَهُ عَهْدٌ؛ لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَبَ بِهِ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَاصًا، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي عَمْدِ الْخَطَأِ، فَفِي الْخَطَأِ أَوْلَى.

[فَصْلٌ قَصَدَ فِعْلًا مُحَرَّمًا فَقَتَلَ آدَمِيًّا]

(٦٥٩٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَصَدَ فِعْلًا مُحَرَّمًا، فَقَتَلَ آدَمِيًّا، مِثْلَ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَ بَهِيمَةٍ، أَوْ آدَمِيًّا مَعْصُومًا، فَيُصِيبَ غَيْرَهُ، فَيَقْتُلَهُ، فَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ، أَنْ يَرْمِيَ الرَّامِي شَيْئًا، فَيُصِيبَ غَيْرَهُ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ هَذَا عَمْدٌ؛ لِقَوْلِهِ فِي مَنْ رَمَى نَصْرَانِيًّا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ، أَنَّهُ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ؛ لِكَوْنِهِ قَصَدَ فِعْلًا مُحَرَّمًا، قَتَلَ بِهِ إنْسَانًا.

[مَسْأَلَةٌ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْقَتْلِ الْخَطَأِ]

(٦٥٩١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَ فِي بِلَادِ الرُّومِ مَنْ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَيَكُونُ قَدْ أَسْلَمَ، وَكَتَمَ إسْلَامَهُ، إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى التَّخَلُّصِ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، بِلَا دِيَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] هَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَطَإِ، وَهُوَ أَنْ يَقْتُلَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ مَنْ يَظُنُّهُ كَافِرًا، وَيَكُونُ مُسْلِمًا. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذَا خَطَأٌ، لَا يُوجِبُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ مُسْلِمٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّهُ صَيْدًا فَبَانَ آدَمِيًّا وَإِلَّا أَنَّ هَذَا لَا تَجِبُ بِهِ دِيَةٌ أَيْضًا، وَلَا يَجِبُ إلَّا الْكَفَّارَةُ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>