للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ خَطَإِ الْعَمْدِ، قَتِيلِ السَّوْطِ وَالْعَصَا، مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» . وَلِأَنَّهُ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً، وَتَرْكُهُ ذِكْرَهَا فِي هَذَا الْقِسْمِ، مَعَ ذِكْرِهَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَذِكْرُهُ لِهَذَا قِسْمًا مُفْرَدًا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا، وَيُخَصُّ بِهَا عُمُومُ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَوْهُ.

[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ الْمُسْلِمِ بِكَافِرٍ]

(٦٥٩٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُوجِبُونَ عَلَى مُسْلِمٍ قِصَاصًا بِقَتْلِ كَافِرٍ، أَيَّ كَافِرٍ كَانَ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمُعَاوِيَةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ خَاصَّةً.

قَالَ أَحْمَدُ: الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ قَالَا: دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ قَتَلَهُ يُقْتَلُ بِهِ. هَذَا عَجَبٌ، يَصِيرُ الْمَجُوسِيُّ مِثْلَ الْمُسْلِمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا هَذَا الْقَوْلُ، وَاسْتَبْشَعَهُ. وَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . وَهُوَ يَقُولُ: يُقْتَلُ بِكَافِرٍ. فَأَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، وَاحْتَجُّوا بِالْعُمُومَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَبِمَا رَوَى ابْن الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» . وَلِأَنَّهُ مَعْصُومٌ عِصْمَةً مُؤَبَّدَةً، فَيُقْتَلُ بِهِ قَاتِلُهُ، كَالْمُسْلِمِ.

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>