للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِصَاصِ، فَلَهُ دِيَةُ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ أَوْ مَاتَ، تَعَلَّقَتْ بِمَالِهِ. وَإِنْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ أَحَدِهِمَا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِيهِ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ، وَلَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِ بَاقِيَةٌ؛ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهِ، وَمُطَالَبَتِهِ بِالْإِسْلَامِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ كَافِرٌ، فَيُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، كَالْأَصْلِيِّ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ. غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ قَدْ زَالَتْ عِصْمَتُهُ وَحُرْمَتُهُ، وَحِلُّ نِكَاحِ الْمُسْلِمَاتِ، وَشِرَاءُ الْعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ، وَصِحَّةُ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا، وَأَمَّا مُطَالَبَتُهُ بِالْإِسْلَامِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَغْلِيظِ كُفْرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ؛ لِسُوءِ حَالِهِ، فَإِذَا قُتِلَ بِالذِّمِّيِّ مِثْلُهُ فَمِنْ هُوَ دُونَهُ أَوْلَى.

[فَصْلٌ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ]

(٦٦٠٣) فَصْلٌ: وَإِنْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ، لَمْ يُقْتَلْ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّكَافُؤَ مُشْتَرَطٌ حَالَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَإِنْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَعَتَقَ، وَجَبَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا عُدْوَانًا، فَلَزِمَهُ الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ، وَفَارَقَ مِنْ عَلِمَهُ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ إلَى قَتْلِ مَعْصُومٍ.

[مَسْأَلَةٌ قَتْلُ الْحَرِّ بِالْعَبْدِ]

(٦٦٠٤) فَصْلٌ: (وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ) وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَيُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ؛ لِعُمُومِ الْآيَات وَالْأَخْبَارِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» . وَلِأَنَّهُ آدَمِيُّ مَعْصُومٌ، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ.

وَلَنَا، مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي السَّلَامَةِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ، كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، فَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ الْحُرُّ، كَالْمُكَاتَبِ إذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي، وَالْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَاتٌ بِهَذَا، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ]

(٦٦٠٥) فَصْلٌ: وَلَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَدَاوُد، أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ؛ لِمَا رَوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>