للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ]

فَصْلٌ: وَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي النَّفْسِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَالِمٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِصَاصِ تَسَاوِي قِيمَتِهِمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمْ لَمْ يَجْرِ بَيْنهمْ قِصَاصٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ هَذَا بِمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَلَا. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ بَيْنَ الْعَبِيدِ قِصَاصٌ، فِي نَفْسٍ وَلَا جُرْحٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَمْوَالٌ. وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] . وَهَذَا نَصٌّ مِنْ الْكِتَابِ، فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، لِأَنَّ تَفَاوُتَ الْقِيمَةِ كَتَفَاوُتِ الدِّيَةِ وَالْفَضَائِلِ، فَلَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَالْعِلْمِ وَالشَّرَفِ، وَالذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثِيَّةِ. (٦٦٠٨) فَصْلٌ: وَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنهمْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَالِمٌ وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنهمْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ مَالٌ، فَلَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهَا، كَالْبَهَائِمِ، وَلِأَنَّ التَّسَاوِيَ فِي الْأَطْرَافِ مُعْتَبَرٌ فِي جَرَيَانِ الْقِصَاصِ، بِدَلِيلِ أَنَّا لَا نَأْخُذُ الصَّحِيحَةَ بِالشَّلَّاءِ، وَلَا كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ بِالنَّاقِصَةِ، وَأَطْرَافُ الْعَبِيدِ لَا تَتَسَاوَى. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّه تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: ٤٥] ، الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ، فَجَرَى بَيْنَ الْعَبِيدِ، كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ (٦٦٠٩) فَصْلٌ: وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي طَرَفِ الْعَبْدِ، وَجَبَ لِلْعَبْدِ، وَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ.

[فَصْلٌ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ]

(٦٦١٠) فَصْلٌ: وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا، ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ، قُتِلَ بِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا، ثُمَّ عَتَقَ الْجَارِحُ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ، قُتِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعِتْقِ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ التَّكَافُؤَ مَوْجُودٌ حَالَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ، وَهِيَ السَّبَبُ، فَاكْتُفِيَ بِهِ. وَلَوْ جَرَحَ حُرٌّ ذِمِّيٌّ عَبْدًا ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَأُسِرَ وَاسْتُرِقَّ، لَمْ يُقْتَلْ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ حُرٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>