للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ لَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ]

(٦٦١٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالطِّفْلُ، وَالزَّائِلُ الْعَقْلِ، لَا يُقْتَلَانِ بِأَحَدٍ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ زَائِلِ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ، مِثْلَ النَّائِمِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَنَحْوِهِمَا. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» . وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُغَلَّظَةٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ وَزَائِلِ الْعَقْلِ كَالْحُدُودِ، وَلِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، فَهُمْ كَالْقَاتِلِ خَطَأً.

[فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ فِي الْقِصَاصِ]

(٦٦١٨) فَصْلٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ، فَقَالَ الْجَانِي: كُنْت صَبِيًّا حَالَ الْجِنَايَةِ. وَقَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ: كُنْت بَالِغًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ، إذَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ، وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْقِصَاصِ. وَإِنْ قَالَ: قَتَلْته وَأَنَا مَجْنُونٌ. وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ جُنُونَهُ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا لِذَلِكَ، إنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ حَالُ جُنُونٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ عُرِفَ لَهُ جُنُونٌ، ثُمَّ عُلِمَ زَوَالُهُ قَبْلَ الْقَتْلِ، وَإِنْ ثَبَتَتْ لَأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ، حُكِمَ لَهُ.

وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا، فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ، فَقَالَ الْوَلِيُّ: كُنْتَ سَكْرَانَ. وَقَالَ الْقَاتِلُ: كُنْت مَجْنُونًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَاجْتِنَابُ الْمُسْلِمِ فِعْلَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ.

[فَصْل قَتَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ]

(٦٦١٩) فَصْلٌ: فَإِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ، ثُمَّ جُنَّ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ. وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَالَ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ يُقْبَلُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا رَجَعَ.

[فَصْلٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى السَّكْرَانِ إذَا قَتَلَ حَالَ سُكْرِهِ]

(٦٦٢٠) فَصْلٌ: وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى السَّكْرَانِ إذَا قَتَلَ حَالَ سُكْرِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ، أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَشْبَهَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ. وَلَنَا، أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَقَامُوا سُكْرَهُ مُقَامَ قَذْفِهِ، فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ حَدَّ الْقَاذِفِ، فَلَوْلَا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>