للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّيَةِ لِوَرَثَةِ الْجَانِي.

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي بَذْلِهَا فَقَالَ الْجَانِي: إنَّمَا بَذَلْتهَا بَدَلًا عَنْ الْيَمِينِ، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَذَلْتهَا فِي غَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ قَالَ: أَخْرَجْتهَا دَهْشَةً، فَقَالَ: بَلْ عَالِمًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَبْذُلُ طَرَفَهُ لِلْقَطْعِ تَبَرُّعًا، مَعَ أَنَّ عَلَيْهِ قَطْعًا مُسْتَحَقًّا، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ بَاذِلُ الْيَسَارِ مَجْنُونًا مِثْلَ أَنْ يُجَنَّ بَعْدَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ، فَعَلَى قَاطِعِهَا ضَمَانُهَا بِالْقِصَاصِ إنْ كَانَ عَالِمًا، وَبِالدِّيَةِ إنْ كَانَ مُخْطِئًا لِأَنَّ بَذْلَ الْمَجْنُونِ لَيْسَ بِشُبْهَةِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ مَجْنُونًا وَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ عَاقِلًا، فَأَخْرَجَ إلَيْهِ يَسَارَهُ أَوْ يَمِينِهِ فَقَطَعَهَا ذَهَبَتْ هَدْرًا، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ، وَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ لَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِبَذْلِ صَاحِبِهَا، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ الْيُمْنَى، وَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهَا لِتَلَفِهَا، فَيَكُونُ لِلْمَجْنُونِ دِيَتُهَا.

وَإِنْ وَثَبَ الْمَجْنُونُ عَلَيْهِ فَقَطَعَ يَدَهُ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهَا، وَلَهُ الْقِصَاصُ فِي الْأُخْرَى، وَإِنْ قَطَعَ الْأُخْرَى، فَهُوَ مُسْتَوْفٍ حَقَّهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا قَهْرًا، سَقَطَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ وَدِيعَتَهُ، وَالثَّانِي، لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ، وَلَهُ عَقْلُ يَدِهِ، وَعَقْلُ يَدِ الْجَانِي عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ وَيُفَارِقُ الْوَدِيعَةَ إذَا أَتْلَفْهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَلَيْسَ لَهَا بَدَلٌ إذَا تَلِفَتْ بِذَلِكَ، وَالْيَدُ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِمَا إذَا قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا عَمْدًا، وَإِنْ اقْتَصَّا مِنْ الْجَانِي مَا لَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ، كَمَا دُونَ الثُّلُثِ، كَقَطْعِ إصْبَعٍ وَنَحْوِهَا، سَقَطَ حَقُّهُمَا، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الدِّيَةَ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَلَهُمَا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي مِثْلُ ذَلِكَ، فَيَتَقَاصَّانِ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَتُهُمَا مُخْتَلِفَةً، كَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.

فَإِنْ قُلْنَا: يَكُونَانِ مُسْتَوْفِيَيْنِ، لِحَقِّهِمَا بِالْقَطْعِ، لَمْ يَبْقَ لَهُمَا حَقٌّ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَا وَدِيعَتَهُمَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَكُونَانِ مُسْتَوْفِيَيْنِ، يُقَاصُّ مِنْ الدِّيَتَيْنِ بِقَدْرِ الْأَدْنَى مِنْهُمَا، وَوَجَبَ الْفَضْلُ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى وَلِيِّهِمَا خَطَأً تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، فَاسْتَوْفَيَا الْقِصَاصَ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُمَا، وَجْهًا وَاحِدًا، وَكَانَتْ دِيَةُ مَنْ اسْتَوْفَيَا مِنْهُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا مُؤَجَّلَةً، وَدِيَةُ الْجِنَايَة عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى وَلِيِّهِمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي مُؤَجَّلَةً.

[فَصْلٌ سِرَايَةُ الْقَوَدِ لَيْسَ لَهَا ضَمَانُ]

(٦٧٢٢) فَصْلٌ: وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ طَرَفًا يَجِبُ الْقَوَدُ فِيهِ فَاسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَاتَ الْجَانِي بِسِرَايَةِ الِاسْتِيفَاءِ، لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَوْفِيَ شَيْءٌ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>