للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْقِصَاصُ حَقٌّ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ، وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، فَمَنْ عَفَا مِنْهُمْ صَحَّ عَفْوُهُ، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَبْقَ لَأَحَدٍ إلَيْهِ سَبِيلٌ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَوْرُوثٌ لِلْعَصَبَاتِ خَاصَّةً. وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِدَفْعِ الْعَارِ، فَاخْتَصَّ بِهِ الْعَصَبَاتُ. كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ.

وَلَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ، أَنَّهُ لِذَوِي الْأَنْسَابِ دُونَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ؛ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ» . وَأَهْلُهُ ذَوُو رَحِمِهِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ غَيْرِ الْعَافِي لَا يَرْضَى بِإِسْقَاطِهِ، وَقَدْ تُؤْخَذُ النَّفْسُ بِبَعْضِ النَّفْسِ، بِدَلِيلِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ. وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ ". وَهَذَا عَامٌ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ يَبْلُغُنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَمَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي. يُرِيدُ عَائِشَةَ. وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلَك وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا» .

وَرَوَى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلِ قَتَلَ قَتِيلًا، فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَقْتُولِ، وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِلِ: قَدْ عَفَوْت عَنْ حَقِّي. فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، عَتَقَ الْقَتِيلُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا رَجُلًا، فَقَتَلَهَا، فَاسْتَعْدَى إخْوَتُهَا عُمَرَ، فَقَالَ بَعْضُ إخْوَتِهَا: قَدْ تَصَدَّقْت. فَقَضَى لِسَائِرِهِمْ بِالدِّيَةِ. وَرَوَى قَتَادَةُ، أَنَّ عُمَرَ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا، فَجَاءَ أَوْلَادُ الْمَقْتُولِ، وَقَدْ عَفَا بَعْضُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ مَسْعُودٍ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إنَّهُ قَدْ أُحْرِزَ مِنْ الْقَتْلِ. فَضَرَبَ عَلَى كَتِفِهِ، وَقَالَ: كَنِيفٌ مُلِئَ عِلْمًا.

وَالدَّلِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>