للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ أَحَالَ وَرَثَةُ الْجَانِي الْمُوَكِّلَ عَلَى الْوَكِيلِ بِدِيَةِ وَلِيِّهِمْ، صَحَّ فَإِنْ كَانَ الْجَانِي أَقَلَّ دِيَةً، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ قَتَلَتْ رَجُلًا، فَقَتَلَهَا الْوَكِيلُ، فَلِوَرَثَتِهَا إحَالَةُ الْمُوَكَّلِ بِدِيَتِهَا؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ لَهُمْ عَلَى الْوَكِيلِ، فَيَسْقُطُ عَنْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ جَمِيعًا، وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى وَرَثَتِهَا بِنِصْفِ دِيَةِ وَلِيِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي رَجُلًا قَتَلَ امْرَأَةً، فَقَتَلَهُ الْوَكِيلُ، فَلِوَرَثَةِ الْجَانِي إحَالَةُ الْمُوَكِّلِ بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهَا، وَيُطَالِبُونَ الْوَكِيلَ بِنِصْفِ دِيَةِ الْجَانِي، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ.

[فَصْلٌ حُكْمُ الْقِصَاصِ إذَا عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ثُمَّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ]

فَصْلٌ: وَإِذَا جَنَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَعَفَا عَنْ الْقِصَاصِ، ثُمَّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى نَفْسِهِ، فَمَاتَ، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ صَارَتْ نَفْسًا، وَلَمْ يَعْفُ عَنْهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ دُونَ مَا عَفَا عَنْهُ، فَسَقَطَ فِي النَّفْسِ، كَمَا لَوْ عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ مَعَ إمْكَانِهِ، لَمْ يَجِبْ فِي سِرَايَتهَا، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ عَفَا عَلَى مَالٍ، فَلَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ، وَجَبَتْ الدِّيَةُ إلَّا أَرْشَ الْجُرْحِ الَّذِي عَفَا عَنْهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ صَارَتْ نَفْسًا، وَحَقُّهُ فِي النَّفْسِ لَا فِيمَا عَفَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ. وَإِنْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ. لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْقَطْعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَكَذَلِكَ سِرَايَتُهُ. وَلَنَا، أَنَّهَا سِرَايَةُ جِنَايَةٍ أَوْجَبَتْ الضَّمَانَ، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْفُ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ دِيَتُهَا بِعَفْوِهِ عَنْهَا، فَيَخْتَصُّ السُّقُوطُ بِمَا عَفَا عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْمَعْفُوُّ عَنْهُ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَوْجَبَتْ نِصْفَ الدِّيَةِ، فَإِذَا عَفَا، سَقَطَ مَا وَجَبَ دُونَ مَا لَمْ يَجِبْ، فَإِذَا صَارَتْ نَفْسًا، وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَمْ يَسْقُطْ أَرْشُ الْجُرْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْفُ، وَإِنَّمَا تَكَمَّلْت الدِّيَةُ بِالسِّرَايَةِ.

[فَصْلٌ كَانَ الْجُرْحُ لَا قِصَاصَ فِيهِ فَعَفَا عَنْ الْقِصَاصِ فِيهِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ]

(٦٧٥٦) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، كَالْجَائِفَةِ، وَنَحْوِهَا، فَعَفَا عَنْ الْقِصَاصِ فِيهِ، فَسَرَى إلَى النَّفْسِ، فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمْ يَجِبْ فِي الْجُرْحِ، فَلَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بَعْدَ عَفْوِهِ، وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَلَهُ كَمَالُ الدِّيَةِ. وَإِنْ عَفَا عَنْ دِيَةِ الْجُرْحِ، صَحَّ، وَلَهُ بَعْدَ السِّرَايَةِ دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا أَرْشَ الْجُرْحِ. وَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدًا، فَانْدَمَلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>