للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: «ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخَلَّ بِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ - تَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «- إذَا رَفَعَ مِنْ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ رَفْعٌ وَاجِبٌ، فَكَانَ الِاعْتِدَالُ عَنْهُ وَاجِبًا، كَالرَّفْعِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَا يُسَلَّمُ لَهُمْ أَنَّ جَلْسَةَ التَّشَهُّدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ.

[مَسْأَلَة يَجْلِسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُفْتَرِشًا]

(٧٣٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا جَلَسَ وَاعْتَدَلَ يَكُونُ جُلُوسُهُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى) السُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُفْتَرِشًا، وَهُوَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَيَبْسُطَهَا، وَيَجْلِسَ عَلَيْهَا، وَيَنْصِبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيُخْرِجَهَا مِنْ تَحْتِهِ، وَيَجْعَلَ بُطُونَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا؛ لِتَكُونَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهَا إلَى الْقِبْلَةَ.

قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ، فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا. وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رَوَتْهُ عَائِشَةُ: «وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْتَحَ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، فَيَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَثْنِيَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: تَفَقَّدْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، فَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نُعَلَّمُ إذَا جَلَسْنَا فِي الصَّلَاةِ، أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ مِنَّا قَدَمَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِ قَدَمِهِ، فَإِنْ كَانَتْ إبْهَامُ أَحَدِنَا لَتَنْثَنِي فَيُدْخِلُ يَدَهُ حَتَّى يَعْدِلَهَا.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ الْيُمْنَى، وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِكُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى بِنَعْلَيْهِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.

[فَصْلٌ الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ]

(٧٣١) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ. بِهَذَا وَصَفَهُ أَحْمَدُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ: جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ، مِثْلُ إقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ. وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْإِقْعَاءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَرِهَهُ عَلِيٌّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: لَا تَقْتَدُوا بِي، فَإِنِّي قَدْ كَبِرْتُ.

وَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَفْعَلُهُ، وَلَا أَعِيبُ مَنْ فَعَلَهُ. وَقَالَ: الْعَبَادِلَةُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. وَقَالَ طَاوُسٌ: رَأَيْت الْعَبَادِلَةَ يَفْعَلُونَهُ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَمَسَّ أَلْيَتَاكَ قَدَمَيْك. وَقَالَ طَاوُسٌ: «قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ؟ فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ. قَالَ: قُلْنَا إنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ، فَقَالَ: هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

<<  <  ج: ص:  >  >>