للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ، فَتَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، بَلْ لَوْ قُدِّمَ بَعْضُهُمْ، كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْمِلْكِ، فَإِنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَقْوَى، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ وَجَدَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَبَتَ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ عِوَضًا، وَحَقُّ الْمَالِكِ ثَبَتَ بِرِضَاهُ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَافْتَرَقَا.

[فَصْل أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِي]

(٦٨١٣) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِي، عَتَقَ، وَضَمِنَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ، فَلَزِمَهُ غَرَامَتُهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ. وَيَنْبَنِي قَدْرُ الضَّمَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا إذَا اخْتَارَ إمْسَاكَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ بِإِعْتَاقِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِهِ مِنْ تَسْلِيمِهِ بِاخْتِيَارِ فِدَائِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَهُ، عَالِمًا بِجِنَايَتِهِ، فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، يَعْنِي دِيَةَ الْمَقْتُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِجِنَايَتِهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ مَعَ الْعِلْمِ، كَانَ مُخْتَارًا لِفِدَائِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ الْفِدَاءَ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ مَا فَوَّتَهُ.

[فَصْلٌ بَاعَ الْعَبْد أَوْ وَهَبَهُ]

(٦٨١٤) فَصْلٌ: فَإِنْ بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، صَحَّ بَيْعُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ، وَلَمْ يَزُلْ تَعَلُّقُ الْجِنَايَةِ عَنْ رَقَبَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِحَالِهِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَيَنْتَقِلُ الْخِيَارُ فِي فِدَائِهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ، كَالسَّيِّدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَرَدِّهِ، كَسَائِرِ الْمَعِيبَاتِ.

[مَسْأَلَةٌ مِنْ هُمْ الْعَاقِلَةُ]

(٦٨١٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْعَاقِلَةُ الْعُمُومَةُ، وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَالْإِخْوَةُ، وَكُلُّ الْعَصَبَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ) . الْعَاقِلَةُ: مَنْ يَحْمِلُ الْعَقْلَ. وَالْعَقْلُ: الدِّيَةُ، تُسَمَّى عَقْلًا؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ. وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عَنْ الْقَاتِلِ، وَالْعَقْلُ: الْمَنْعُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ بَعْضُ الْعُلُومِ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَضَارِّ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَاتُ، وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ، وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالزَّوْجِ، وَكُلِّ مَنْ عَدَا الْعَصَبَاتِ، لَيْسَ هُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْآبَاءِ وَالْبَنِينَ، هَلْ هُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ لَا. وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ كُلَّ الْعَصَبَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ، يَدْخُلُ فِيهِ آبَاءُ الْقَاتِلِ، وَأَبْنَاؤُهُ، وَإِخْوَتُهُ، وَعُمُومَتُهُ، وَأَبْنَاؤُهُمْ. وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>