للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَقْلَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ عَصَبَتِهَا، مَنْ كَانُوا، لَا يَرِثُونَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا، وَإِنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَلِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ، فَأَشْبَهُوا الْإِخْوَةَ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَقْلَ مَوْضُوعٌ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّ الْعَصَبَةَ فِي تَحَمُّلِ الْعَقْلِ كَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ، فِي تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، وَآبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ أَحَقُّ الْعَصَبَاتِ بِمِيرَاثِهِ، فَكَانُوا أَوْلَى بِتَحَمُّلِ عَقْلِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَيْسَ آبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَقَتَلَتْهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا وَمَنْ مَعَهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ مَاتَتْ الْقَاتِلَةُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا، وَالْعَقْلَ عَلَى الْعَصَبَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا. قَالَ: فَقَالَتْ عَاقِلَةُ الْمَقْتُولَةِ: مِيرَاثُهَا لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِيرَاثُهَا لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

إذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَوْلَادِ، قِسْنَا عَلَيْهِ الْوَالِدَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ مَالَ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ كَمَالِهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لَهُ، وَلَا شَهَادَتُهُ لَهُمَا، وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِنْفَاقُ عَلَى الْآخَرِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا، وَالْآخَرُ مُوسِرًا، وَعَتَقَ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ، فَلَا تَجِبُ فِي مَالِهِ دِيَةٌ، كَمَا لَمْ يَجِبْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ فِي الْإِخْوَةِ رِوَايَتَيْنِ، كَالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُونَهُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافًا.

[فَصْلٌ يَعْقِل الْوَلَد ابْن ابْن عَمَّ]

(٦٨١٦) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ، أَوْ كَانَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ مَوْلَى أَوْ عَصَبَةُ مَوْلًى، فَإِنَّهُ يَعْقِلُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ وَالِدٌ أَوْ وَلَدٌ، فَلَمْ يَعْقِلْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّهُ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى، فَيَعْقِلُ، كَمَا لَوْ يَكُنْ وَلَدًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَرَابَةَ أَوْ الْوَلَاءَ سَبَبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>