للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَذَاكَ مُتَسَبِّبٌ، فَأَشْبَهَ الْمُمْسِكَ وَالْقَاتِلَ. وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ أَحَدٌ، فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّامِي، وَتَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ إنْ كَانَ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ.

[فَصْلٌ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِ أَوْ جَرْحٍ]

(٦٨٩٠) فَصْلٌ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ، أَوْ سَرِقَةٍ قَدْ تُوجِبُ الْقَطْعَ، أَوْ زِنًى يُوجِبُ الرَّجْمَ أَوْ الْجَلْدَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَاقْتُصَّ مِنْهُ، أَوْ قُطِعَ بِالسَّرِقَةِ، أَوْ حُدَّ فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ، لَزِمَهُمَا ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمَا، كَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْفِعْلِ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مَالِهِمَا، لَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ اعْتِرَافًا، وَهَذَا يَثْبُت بِاعْتِرَافِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ أَتَيَا بِآخَرَ، فَقَالَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ ذَاكَ السَّارِقَ، إنَّمَا هَذَا هُوَ السَّارِقُ، فَأَغْرَمَهُمَا دِيَةَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا. وَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمَا فِي الثَّانِي.

وَإِنْ أَكْرَهَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ إنْسَانٍ، فَقَتَلَهُ، فَصَارَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ، فَهِيَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَكْرَهَ رَجُلٌ امْرَأَةً فَزَنَى بِهَا، فَحَمَلَتْ فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِسَبَبِ فِعْلِهِ، وَتَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، إلَّا أَنْ لَا يَثْبُتَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِرَافِهِ، فَتَكُونَ الدِّيَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ اعْتِرَافًا.

[فَصْلٌ بَعَثَ السُّلْطَانُ إلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرهَا، فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا مَيِّتًا]

فَصْلٌ: إذَا بَعَثَ السُّلْطَانُ إلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا، فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، ضَمِنَهُ بِغُرَّةٍ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ إلَى امْرَأَةٍ مُغَيَّبَةٍ، كَانَ يُدْخَلُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، مَالَهَا وَلِعُمَرَ فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ إذْ فَزِعَتْ، فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَأَلْقَتْ وَلَدًا، فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ، فَاسْتَشَارَ عُمَرُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ، إنَّمَا أَنْتَ وَالٍ وَمُؤَدِّبٌ. وَصَمَتَ عَلِيٌّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانُوا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَالُوا فِي هَوَاكَ فَلَمْ يَنْصَحُوا لَك، إنَّ دِيَتَهُ عَلَيْك؛ لِأَنَّك أَفْزَعْتَهَا فَأَلْقَتْهُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَقْسَمْت عَلَيْك أَنْ لَا تَبْرَحَ حَتَّى تَقْسِمَهَا عَلَى قَوْمِك.

وَلَوْ فَزِعَتْ الْمَرْأَةُ فَمَاتَتْ، لَوَجَبَتْ دِيَتُهَا أَيْضًا. وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ فِي ضَمَانِ الْجَنِينِ، وَقَالَ: لَا تُضْمَنُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَبَبٍ إلَى هَلَاكِهَا فِي الْعَادَةِ. وَلَنَا، أَنَّهَا نَفْسٌ هَلَكَتْ بِإِرْسَالِهِ إلَيْهَا، فَضَمِنَهَا، كَجَنِينِهَا، أَوْ نَفْسٌ هَلَكَتْ بِسَبَبِهِ، فَغَرِمَهَا، كَمَا لَوْ ضَرَبَهَا فَمَاتَتْ. وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ عَادَةً. قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْإِسْقَاطِ، وَالْإِسْقَاطُ سَبَبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>