للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْهَلَاكِ عَادَةً، ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الضَّمَانِ كَوْنُهُ سَبَبًا مُعْتَادًا، فَإِنَّ الضَّرْبَةَ وَالضَّرْبَتَيْنِ بِالسَّوْطِ، لَيْسَتْ سَبَبًا لِلْهَلَاكِ فِي الْعَادَةِ، وَمَتَى أَفْضَتْ إلَيْهِ وَجَبَ الضَّمَانُ.

وَإِنْ اسْتَعْدَى إنْسَانٌ عَلَى امْرَأَةٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ فَزَعًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَعْدِي الضَّمَانُ، إنْ كَانَ ظَالِمًا لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةَ، فَأَحْضَرَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَهَا؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ إحْضَارِهَا بِظُلْمِهَا، فَلَا يَضْمَنُهَا غَيْرُهَا، وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَالْقِصَاصِ، وَيَضْمَنُ جَنِينَهَا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اقْتَصَّ مِنْهَا.

[فَصْلٌ أَخَذَ طَعَامَ إنْسَانٍ أَوْ شَرَابَهُ فِي بَرِّيَّةٍ]

(٦٨٩٢) فَصْلٌ: وَمَنْ أَخَذَ طَعَامَ إنْسَانٍ أَوْ شَرَابَهُ فِي بَرِّيَّةٍ، أَوْ مَكَان لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى طَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَهَلَكَ بِذَلِكَ، أَوْ هَلَكَتْ بَهِيمَتُهُ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ هَلَاكِهِ. وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامٍ وَشَرَابٍ لِغَيْرِهِ، فَطَلَبِهِ مِنْهُ، فَمَنَعَهُ إيَّاهُ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَمَاتَ بِذَلِكَ، ضَمِنَهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا، فَإِذَا مَنَعَهُ إيَّاهُ، تَسَبَّبَ إلَى إهْلَاكِهِ بِمَنْعِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَهَلَكَ بِذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا.

وَقَالَ الْقَاضِي: تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَيَكُونُ شِبْهَ الْعَمْدِ. وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ تَسَبَّبَ بِهِ إلَى هَلَاكِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رَأَى إنْسَانًا فِي مَهْلَكَةٍ، فَلَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ، وَقَدْ أَسَاءَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُجُوبُ ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْجِهِ مِنْ الْهَلَاكِ مَعَ إمْكَانِهِ، فَيَضْمَنُهُ، كَمَا لَوْ مَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يُهْلِكْهُ، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ، وَقِيَاسُ هَذَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَنَعَهُ مَنْعًا كَانَ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ، فَضَمِنَهُ بِفِعْلِهِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ، وَهَاهُنَا لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَكُونُ سَبَبًا.

[فَصْلٌ ضَرَبَ إنْسَانًا حَتَّى أَحْدَثَ]

فَصْلٌ: وَمَنْ ضَرَبَ إنْسَانًا حَتَّى أَحْدَثَ، فَإِنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِيهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ. وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِإِتْلَافِ مَنْفَعَةٍ أَوْ عُضْوٍ، أَوْ إزَالَةِ جَمَالٍ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلَى إيجَابِ الثُّلُثِ؛ لِقَضِيَّةِ عُثْمَانَ؛ لِأَنَّهَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهَا، فَيَكُونَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ قَضَاءَ الصَّحَابِيِّ بِمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَدَثُ رِيحًا أَوْ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَفْزَعَهُ حَتَّى أَحْدَثَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>