للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ دِيَة السَّمْع إذَا ذَهَبَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ]

(٦٩٠٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي السَّمْعِ إذَا ذَهَبَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ) لَا خِلَافَ فِي هَذَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ فِي السَّمْعِ الدِّيَةَ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَا أَعْلَم عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافًا لَهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» .

وَرَوَى أَبُو الْمُهَلَّبِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِحَجَرٍ فِي رَأْسِهِ، فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ وَلِسَانُهُ وَنِكَاحُهُ، فَقَضَى عُمَرُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَالرَّجُلُ حَيٌّ. وَلِأَنَّهَا حَاسَّةٌ تَخْتَصُّ بِنَفْعٍ، فَكَانَ فِيهَا الدِّيَةُ، كَالْبَصَرِ. وَإِنْ ذَهَبَ السَّمْعُ مِنْ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ، وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ ذَهَبَ الْبَصَرُ مِنْ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ. وَإِنْ قَطَعَ أُذُنَهُ، فَذَهَبَ سَمْعُهُ، وَجَبَتْ دِيَتَانِ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ فِي غَيْرِهِمَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَلَعَ أَجْفَانَ عَيْنَيْهِ فَذَهَبَ بَصَرُهُ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ إذَا قُلِعَتْ فَذَهَبَ بَصَرُهُ. فَإِنَّ الْبَصَرَ فِي الْعَيْنِ، فَأَشْبَهَ الْبَطْشَ الذَّاهِبَ بِقَطْعِ الْيَد.

[فَصْل اخْتَلَفَا فِي ذَهَاب سَمِعَهُ]

(٦٩١٠) فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ سَمْعِهِ، فَإِنَّهُ يُتَغَفَّلُ وَيُصَاحُ بِهِ، وَيُنْظَرُ اضْطِرَابُهُ، وَيُتَأَمَّلُ عِنْدَ صَوْتِ الرَّعْدِ وَالْأَصْوَاتِ الْمُزْعِجَةِ، فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ انْزِعَاجٌ، أَوْ الْتِفَاتٌ، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى السَّمْعِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْأَمَارَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِيعٌ، فَغُلِّبَتْ جَنَبَةُ الْمُدَّعِي، وَحُلِّفَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ مِنْهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ غَيْرُ سَمِيعٍ، وَحَلَفَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ احْتَرَزَ وَتَصَبَّرَ.

وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِي إحْدَاهُمَا، سُدَّتْ الْأُخْرَى، وَتُغُفِّلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ ادَّعَى نُقْصَانَ السَّمْعِ فِيهِمَا، فَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَيُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ، وَيُوجِبُ حُكُومَةً. وَإِنْ ادَّعَى نَقْصَهُ فِي إحْدَاهُمَا، سَدَدْنَا الْعَلِيلَةَ، وَأَطْلَقْنَا الصَّحِيحَةَ، وَأَقَمْنَا مَنْ يُحَدِّثُهُ وَهُوَ يَتَبَاعَدُ إلَى حَيْثُ يَقُولُ: إنِّي لَا أَسْمَعُ. فَإِذَا قَالَ إنِّي لَا أَسْمَعُ. غَيَّرَ عَلَيْهِ الصَّوْتَ وَالْكَلَامَ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ يَسْمَعُ، وَإِلَّا فَقَدْ كَذَبَ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ سَمَاعِهِ، قَدَّرَ الْمَسَافَةَ، وَسَدَّ الصَّحِيحَةَ، وَأُطْلِقَتْ الْمَرِيضَةُ، وَحَدَّثَهُ وَهُوَ يَتَبَاعَدُ، حَتَّى يَقُولَ: إنِّي لَا أَسْمَعُ. فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ، غَيَّرَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ، حَلَفَ، وَقُبِلَ قَوْلُهُ، وَمُسِحَتْ الْمَسَافَتَانِ، وَنُظِرَ مَا نَقَصَتْ الْعَلِيلَةُ، فَوَجَبَ بِقَدْرِهِ. فَإِنْ قَالَ: إنِّي أَسْمَعُ الْعَالِي، وَلَا أَسْمَعُ الْخَفِيَّ. فَهَذَا لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ، فَتَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ.

(٦٩١١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّهُ يُرْجَى عَوْدُ سَمْعِهِ إلَى مُدَّةٍ. اُنْتُظِرَ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ غَايَةٌ، لَمْ يُنْتَظَرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>