للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦٩٤٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا ثَدْيَا الرَّجُلِ، وَهُمَا الثُّنْدُوَتَانِ، فَفِيهِمَا الدِّيَةُ. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ وَحُكِيَ ذَلِكَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: فِيهِمَا حُكُومَةٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِالْجَمَالِ مِنْ غَيْر مَنْفَعَةٍ، فَلَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْعَيْنَ الْقَائِمَةَ وَالْيَدَ الشَّلَّاءَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فِي حَلَمَةِ الرَّجُلِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: فِيهِ ثُمُنُ الدِّيَةِ.

وَلَنَا، أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَجَبَ فِيهِ مِنْ الرَّجُلِ، كَالْيَدَيْنِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ فِي الْبَدَنِ، يَحْصُلُ بِهِمَا الْجَمَالُ، لَيْسَ فِي الْبَدَنِ غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا، فَوَجَبَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ كَالْيَدَيْنِ، وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ، فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، كَالشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَأُذُنَيْ الْأَصَمِّ وَأَنْفِ الْأَخْشَمِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَيُفَارِقُ الْعَيْنَ الْقَائِمَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا جَمَالٌ كَامِلٌ، وَلِأَنَّهَا عُضْوٌ قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ، فَلَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهُ، كَالْيَدَيْنِ إذَا شَلَّتَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

[مَسْأَلَةٌ دِيَة الْأَلْيَتَيْنِ]

(٦٩٤٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم يَقُولُونَ: فِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا. مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مِنْ جِنْسٍ، فِيهِمَا جَمَالٌ ظَاهِرٌ، وَمَنْفَعَةٌ كَامِلَةٌ، فَإِنَّهُ يُجْلَسُ عَلَيْهِمَا كَالْوِسَادَتَيْنِ، فَوَجَبَ فِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، كَالْيَدَيْنِ. وَالْأَلْيَتَانِ: هُمَا مَا عَلَا وَأَشْرَفَ مِنْ الظَّهْرِ عَنْ اسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ. وَفِيهِمَا الدِّيَةُ إذَا أُخِذَتَا إلَى الْعَظْمِ الَّذِي تَحْتَهُمَا، وَفِي ذَهَابِ بَعْضِهِمَا بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِيهِ، وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ جُهِلَ الْمِقْدَارُ، وَجَبَتْ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُهُ.

[فَصْلٌ دِيَة الصُّلْب إذَا كَسِرِّ فَلَمْ يَنْجَبِر]

(٦٩٤٦) فَصْلٌ: وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ إذَا كُسِرَ فَلَمْ يَنْجَبِرْ؛ لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ» . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي الصُّلْبِ الدِّيَةَ. وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ فِي كَسْرِ الصُّلْبِ دِيَةٌ؛ إلَّا أَنْ يُذْهِبَ مَشْيَهُ أَوْ جِمَاعَهُ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ لَمْ تَذْهَبْ مَنْفَعَتُهُ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ.

وَلَنَا، الْخَبَرُ، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهُ، فِيهِ جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ، فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ فِيهِ بِمُفْرَدِهِ، كَالْأَنْفِ. وَإِنْ ذَهَبَ مَشْيُهُ بِكَسْرِ صُلْبِهِ، فَفِيهِ، الدِّيَةُ فِي قَوْلِ الْجَمِيع. وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تَلْزَمُ كَسْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>