للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ عَقْله وَسَمِعَهُ وَبَصَره وَكَلَامه]

(٦٩٥٦) فَصْلٌ: فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ، فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَكَلَامَهُ، وَجَبَ أَرْبَعُ دِيَاتٍ مَعَ أَرْشِ الْجُرْحِ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا بِحَجَرٍ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَبَصَرُهُ وَسَمْعُهُ وَلِسَانُهُ، فَقَضَى فِيهِ عُمَرُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَهُوَ حَيٌّ. وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ مَنَافِعَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا دِيَةٌ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَاتُهَا، كَمَا لَوْ أَذْهَبَهَا بِجِنَايَاتٍ. فَإِنْ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ، لَمْ تَجِبْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ دِيَاتِ الْمَنَافِعِ كُلَّهَا تَدْخُلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ، كَدِيَاتِ الْأَعْضَاءِ.

[مَسْأَلَةٌ دِيَة صَعَّرَ الْوَجْه]

(٦٩٥٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي الصَّعَرِ الدِّيَةُ، وَالصَّعَرُ: أَنْ يَضْرِبَهُ، فَيَصِيرَ وَجْهُهُ فِي جَانِبٍ) أَصْلُ الصَّعَرِ، دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي عُنُقِهِ، فَيَلْتَوِي عُنُقُهُ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: ١٨] . أَيْ: لَا تُعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِك تَكَبُّرًا، كَإِمَالَةِ وَجْهِ الْبَعِيرِ الَّذِي بِهِ الصَّعَرُ، فَمَنْ جَنَى عَلَى إنْسَانٍ جِنَايَةً، فَعَوِجَ عُنُقَهُ، حَتَّى صَارَ وَجْهُهُ فِي جَانِبٍ، فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ فِيهِ إلَّا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذْهَابُ جَمَالٍ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ. وَلَنَا مَا رَوَى مَكْحُولٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ قَالَ: وَفِي الصَّعَرِ الدِّيَةُ. وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ وَالْمَنْفَعَةَ، فَوَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ. وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يَذْهَبْ بِمَنْفَعَتِهِ. غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ أَمَامَهُ، وَاتِّقَاءِ مَا يَحْذَرُهُ إذَا مَشَى، وَإِذَا نَابَهُ أَمْرٌ، أَوْ دَهَمَهُ عَدُوٌّ، لَمْ يُمْكِنْهُ الْعِلْمُ بِهِ، وَلَا اتِّقَاؤُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ لَيُّ عُنُقِهِ لِيَعْرِفَ مَا يُرِيدُ نَظَرَهُ، وَيَتَعَرَّفَ مَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرّهُ.

[فَصْلٌ جَنَى عَلَيْهِ فَصَارَ الِالْتِفَات عَلَيْهِ شَاقًّا أَوْ ابْتِلَاع الْمَاء أَوْ غَيْره]

(٦٩٥٨) فَصْلٌ: فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ، فَصَارَ الِالْتِفَاتُ عَلَيْهِ شَاقًّا، أَوْ ابْتِلَاعُ الْمَاءِ، أَوْ غَيْرُهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِالْمَنْفَعَةِ كُلِّهَا، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا. وَإِنْ صَارَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ ازْدِرَادُ رِيقِهِ، فَهَذَا لَا يَكَادُ يَبْقَى، فَإِنْ بَقِيَ مَعَ ذَلِكَ، فَفِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ لَيْسَ لَهَا مِثْلٌ فِي الْبَدَنِ.

[مَسْأَلَةٌ دِيَة الْيَد الشَّلَّاء]

(٦٩٥٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ، وَالسِّنُّ السَّوْدَاءُ) الْيَدُ الشَّلَّاء: الَّتِي ذَهَبَ مِنْهَا مَنْفَعَةُ الْبَطْشِ. وَالْعَيْنُ الْقَائِمَةُ: الَّتِي ذَهَبَ بَصَرُهَا وَصُورَتُهَا بَاقِيَةٌ كَصُورَةِ الصَّحِيحَةِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِمَا، وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ، فَعَنْهُ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثُ دِيَتِهَا. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمُجَاهِدٍ. وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِائَةُ دِينَارٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ حُكُومَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَسْرُوقٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>