للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مُوضِحَةِ الْحُرِّ. يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ مُوضِحَةِ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ. يَعْنِي أَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي أَرْشِ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ، وَهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَيَخْتَلِفَانِ فِيمَا زَادَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مُوضِحَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ مُوضِحَةِ الرَّجُلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِرَاحَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ جِرَاحِ الرَّجُلِ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَعُمُومُ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ هَاهُنَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ كِفَايَةٌ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَمَكْحُولٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.

وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: تُضَعَّفُ مُوضِحَةُ الْوَجْهِ عَلَى مُوضِحَةِ الرَّأْسِ، فَيَجِبُ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ شَيْنَهَا أَكْثَرُ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَمُوضِحَةُ الرَّأْسِ يَسْتُرُهَا الشَّعْرُ وَالْعِمَامَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ فِي الْأَنْفِ أَوْ فِي اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ، فَفِيهَا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَبْعُدُ عَنْ الدِّمَاغِ، فَأَشْبَهَتْ مُوضِحَةَ سَائِرِ الْبَدَنِ. وَلَنَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: الْمُوضِحَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ. وَلِأَنَّهَا مُوضِحَةٌ، فَكَانَ أَرْشُهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، كَغَيْرِهَا مِمَّا سَلَّمُوهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ الشَّيْنِ، بِدَلِيلِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ.

وَمَا ذَكَرُوهُ لِمَالِكٍ لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الصَّدْرِ أَكْثَرُ ضَرَرًا، وَأَقْرَبُ إلَى الْقَلْبِ، وَلَا مُقَدَّرَ فِيهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّهُ قَالَ: مُوضِحَةُ الْوَجْهِ أَحْرَى أَنْ يُزَادَ فِي دِيَتِهَا. وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا أَوْلَى بِإِيجَابِ الدِّيَةِ، فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ مَعَ قِلَّةِ شَيْنِهَا وَاسْتِتَارِهَا بِالشَّعْرِ وَغِطَاءِ الرَّأْسِ، خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَلَأَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فِي الْوَجْهِ الظَّاهِرِ، الَّذِي هُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، وَعُنْوَانُ الْجَمَالِ أَوْلَى. وَحَمْلُ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْخَبَرَ وَالْأَثَرَ وَقَوْلَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَصِيرُهُ إلَى التَّقْدِيرِ بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ، وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ.

(٦٩٦٨) فَصْلٌ: وَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَالْبَارِزَةِ وَالْمَسْتُورَةِ بِالشَّعْرِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُوضِحَةِ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ. وَحَدُّ الْمُوضِحَةِ مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ، وَلَوْ بِقَدْرِ إبْرَةٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَالْقَاضِي. فَإِنْ شَجَّهُ فِي رَأْسِهِ شَجَّةً، بَعْضُهَا مُوضِحَةٌ، وَبَعْضُهَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَ الْجَمِيعَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشُ مُوضِحَةٍ، فَلَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ فِي الْإِيضَاحِ فِي الْبَعْضِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى، وَهَكَذَا لَوْ شَجَّهُ شَجَّةً بَعْضُهَا هَاشِمَةٌ، وَبَاقِيهَا دُونَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ هَاشِمَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُنَقِّلَةً وَمَا دُونَهَا، أَوْ مَأْمُومَةً. وَمَا دُونَهَا، فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُنَقِّلَةٍ أَوْ مَأْمُومَةٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>