للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ، مَعَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَيَكُونُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ، إنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا لَا تُطِيقُهُ، وَأَنَّ وَطْأَهُ يُفْضِيهَا.

فَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، وَكَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُفْضِيَ إلَيْهِ، فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَإِ، فَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَمْدَ الْخَطَإِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي مَالِهِ.

(٦٩٨٧) الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَبِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ، فَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ، كَمَا لَوْ قَطَعَ إسْكَتَيْهَا. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى فِي الْإِفْضَاءِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ. وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا. وَلِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ تَخْرِقُ الْحَاجِزَ بَيْنَ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَالذَّكَرِ، فَكَانَ مُوجَبُهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، كَالْجَائِفَةِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَمْنَعُ الْوَطْءَ، وَأَمَّا قَطْعُ الْإِسْكَتَيْنِ، فَإِنَّمَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ قَطْعُ عُضْوَيْنِ فِيهِمَا نَفْعٌ وَجَمَالٌ، فَأَشْبَهَ قَطْعَ الشَّفَتَيْنِ.

(٦٩٨٨) فَصْلٌ: وَإِنْ اسْتَطْلَقَ بَوْلُهَا مَعَ ذَلِكَ، لَزِمَتْهُ دِيَةٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنْفَعَتَيْنِ، فَلَزِمَهُ أَرْشُهُمَا، كَمَا لَوْ فَوَّتَ كَلَامَهُ وَذَوْقَهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَتْلَفَ عُضْوًا وَاحِدًا، فَلَمْ يَفُتْ غَيْرُ مَنَافِعِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا لَوْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَكَلَامُهُ. وَمَا قَالَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ دِيَةَ الْمَنْفَعَتَيْنِ، لَأَوْجَبَ دِيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِطْلَاقَ الْبَوْلِ مُوجِبٌ الدِّيَةَ، وَالْإِفْضَاءُ عِنْدَهُ مُوجِبٌ الدِّيَةَ مُنْفَرِدًا، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْحُكُومَةَ، وَلَمْ يُوجَدْ مُقْتَضِيهَا، فَإِنَّنَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِي الْإِفْضَاءِ حُكُومَةً.

(٦٩٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ انْدَمَلَ الْحَاجِزُ، وَانْسَدَّ، وَزَالَ الْإِفْضَاءُ، لَمْ يَجِبْ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَوَجَبَتْ حُكُومَةٌ، لِجَبْرِ مَا حَصَلَ مِنْ النَّقْصِ.

[فَصْلٌ أَكْرَه امْرَأَة عَلَى الزِّنَى فَأَفْضَاهَا]

(٦٩٩٠) فَصْلٌ: وَإِنْ أَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَى، فَأَفْضَاهَا، لَزِمَهُ ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَمَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِوَطْءٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ، وَلَا مَأْذُونٍ فِيهِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ بِهِ، كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ مَعَ ذَلِكَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْبَكَارَةِ دَاخِلٌ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنَّ مَهْرَ الْبِكْرِ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ الثَّيِّبِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>