للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قَوْلٌ لِمَالِكٍ، فَعَلَى هَذَا، يَحْلِفُ الْوَارِثُ مِنْهُمْ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ، تُمِّمُوا مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَةِ، يُؤْخَذُ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ مِنْ قَبِيلَتِهِ الَّتِي يَنْتَسِبُ إلَيْهَا، وَيُعْرَفُ كَيْفِيَّةُ نَسَبِهِ مِنْ الْمَقْتُولِ، فَأَمَّا مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الْقَبِيلَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ وَجْهُ النَّسَبِ، لَمْ يُقْسِمْ؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قُرَشِيًّا وَالْمَقْتُولُ قُرَشِيٌّ، وَلَا يُعْرَفُ كَيْفِيَّةُ نَسَبِهِ مِنْهُ، فَلَا يُقْسِمُ؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ وَنُوحٍ، وَكُلُّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ قُتِلَ مَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ، لَمْ يُقْسِمْ عَنْهُ سَائِرُ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ نَسَبِهِ خَمْسُونَ، رُدِّدَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمْ، جُبِرَ كَسْرُهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: «يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» . وَقَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ خَمْسُونَ رَجُلًا وَارِثًا، فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ إلَّا أَخُوهُ، أَوْ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ، أَوْ أَقْرَبُ مِنْهُ نَسَبًا، وَلِأَنَّهُ خَاطَبَ بِهَذَا بَنِي عَمِّهِ، وَهُمْ غَيْرُ وَارِثِينَ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يُقْسِمُ إلَّا الْوَارِثُ، وَتُعْرَضُ الْأَيْمَانُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ دُونَ غَيْرِهِمْ، عَلَى حَسَبِ مَوَارِيثِهِمْ. هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ فِي دَعْوَى حَقٍّ، فَلَا تُشْرَعُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، تُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مِنْ الرِّجَالِ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ، فَإِنْ انْقَسَمَتْ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ، مِثْلُ أَنْ يُخَلِّفَ الْمَقْتُولُ اثْنَيْنِ، أَوْ أَخًا وَزَوْجًا، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ بَنِينَ، وَجَدًّا أَوْ أَخَوَيْنِ، جُبِرَ الْكَسْرُ عَلَيْهِمْ، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ، وَلَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُ الْيَمِينِ، وَلَا حَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهَا عَنْ بَعْضٍ، فَوَجَبَ تَكْمِيلُ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ خَلَّفَ أَخًا مِنْ أَبٍ وَأَخًا مِنْ أُمٍّ، فَعَلَى الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ سُدُسُ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ يُجْبَرُ الْكَسْرُ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ تِسْعُ أَيْمَانٍ، وَعَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِينَ خَمْسِينَ يَمِينًا، سَوَاءٌ تَسَاوَوْا فِي الْمِيرَاثِ أَوْ اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا حَلَفَهُ الْوَاحِدُ إذَا انْفَرَدَ، حَلَفَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ، كَالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَعَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْيَمِينِ. فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْآخَرِ. وَلَنَا، عَلَى أَنَّ الْخَمْسِينَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: «تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» .

وَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْأَيْمَانِ خَمْسُونَ، وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ، لَكَانَتْ مِائَةً وَمِائَتَيْنِ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ لِلْمُدَّعِينَ، فَلَمْ تَزِدْ عَلَى مَا يُشْرَعُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، كَالْبَيِّنَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>