للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخَطِّهِ أَوْ خَطِّ أَبِيهِ وَدَفْتَرِهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ عَيْبًا، فَادَّعَى عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَعِيبٌ، وَأَرَادَ رَدَّهُ، كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ الْعَيْبِ.

وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي إلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ، وَغَلَبَةِ ظَنٍّ يُقَارِبُ الْيَقِينَ، وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَاسْتَثْبِتُوا. وَيَعِظَهُمْ، وَيُحَذِّرَهُمْ، وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] . وَيُعَرِّفَهُمْ مَا فِي الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، وَظُلْمِ الْبَرِيءِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَيُعَرِّفَهُمْ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

[فَصْلٌ اسْتِظْهَار أَلْفَاظ الْيَمِين فِي الْقَسَامَة تَأْكِيدًا]

(٧٠٤٤) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَظْهِرَ فِي أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فِي الْقَسَامَةِ تَأْكِيدًا، فَيَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورِ. فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظَةِ: وَاَللَّهِ. كَفَى، أَوْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ، أَوْ بِاَللَّهِ، أَوْ تَاللَّهِ. بِالْجَرِّ كَمَا تَقْتَضِيهِ الْعَرَبِيَّةُ. فَإِنْ قَالَهُ مَضْمُومًا، أَوْ مَنْصُوبًا، فَقَدْ لَحَنَ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُجْزِئُهُ تَعَمَّدَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ؛ لِأَنَّهُ لَحْنٌ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا تَأْكِيدٌ، وَيَقُولُ: لَقَدْ قَتَلَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ وَيُشِيرُ إلَيْهِ فُلَانًا ابْنِي، أَوْ أَخِي، مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ، مَا شَرَكَهُ غَيْرُهُ. وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ قَالَ: مُنْفَرِدَيْنِ، مَا شَرَكَهُمَا غَيْرُهُمَا. ثُمَّ يَقُولُ: عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَبِأَيِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، حَلَفَ، أَجْزَأَ، إذَا كَانَ إطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ: وَاَللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ، وَلَا شَارَكْت فِي قَتْلِهِ، وَلَا أَحْدَثْت شَيْئًا مَاتَ مِنْهُ، وَلَا كَانَ سَبَبًا فِي مَوْتِهِ، وَلَا مُعِينًا عَلَى مَوْتِهِ.

[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً أَوْ شَارَكَ فِيهَا]

(٧٠٤٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً، أَوْ شَارَكَ فِيهَا، أَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، وَكَانَ الْفِعْلُ خَطَأً، فَعَلَى الْقَاتِلِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ الْأَصْلُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . الْآيَةَ.

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ خَطَأً كَفَّارَةً سَوَاءً كَانَ الْمَقْتُولُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَتَجِبُ فِي قَتْلِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، سَوَاءٌ بَاشَرَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ تَسَبَّبَ إلَى قَتْلِهِ بِسَبَبٍ يَضْمَنُ بِهِ النَّفْسَ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ، وَنَصْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>