للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السِّكِّينِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ بِالتَّسَبُّبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ، وَلِأَنَّهُ ضَمِنَ بَدَلَهُ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لِلْقَتْلِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ كَالْعَاقِلَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي الضَّمَانِ، فَكَانَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِتْلَافِ الْآدَمِيِّ، يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهُ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَأَوْطَأَ دَابَّتَهُ إنْسَانًا. وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِالْأَبِ إذَا أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى قَتْلِ ابْنِهِ؛ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ، وَفَارَقَ الْعَاقِلَةَ؛ فَإِنَّهَا تَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهَا. وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا قَتْلٌ، وَلَا تَسَبُّبٌ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ: لَيْسَ بِقَتْلٍ. مَمْنُوعٌ.

قَالَ الْقَاضِي: وَيَلْزَمُ الشُّهُودَ الْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ قَالُوا: أَخْطَأْنَا، أَوْ تَعَمَّدْنَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالسَّبَبِ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ الْقَتْلَ، فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الْخَطَإِ، فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ.

[فَصْلٌ تَجِب الْكَفَّارَة بِقَتْلِ الْعَبْدِ]

(٧٠٤٦) فَصْلٌ: وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَبْدِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبُ بِهِ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، أَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ. وَلَنَا، عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَلِأَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ، فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِ، كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَيُفَارِقُ الْبَهَائِمَ بِذَلِكَ.

[فَصْل كَفَّارَة قَتَلَ الْكَافِر]

(٧٠٤٧) فَصْلٌ: وَتَجِبُ بِقَتْلِ الْكَافِرِ الْمَضْمُونِ، سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا. وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . فَمَفْهُومُهُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي غَيْرِ الْمُؤْمِنِ. وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَالذِّمِّيُّ لَهُ مِيثَاقٌ، وَهَذَا مَنْطُوقٌ يُقَدَّمُ عَلَى دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَقْتُولٌ ظُلْمًا، فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِهِ، كَالْمُسْلِمِ.

[فَصْلٌ قَتَلَ الصَّبِيّ أَوْ الْمَجْنُونُ]

(٧٠٤٨) فَصْلٌ: وَإِذَا قَتَلَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، تَجِبُ بِالشَّرْعِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>