للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَأْمُومَةِ، وَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، وَشَرِيكِ الْخَاطِئِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَشَهَادَةُ عَدْلٍ وَيَمِينُ الطَّالِبِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَثْبُتُ أَيْضًا إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، وَلَا تُسْمَعُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَلَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَتْلٍ، أَوْ جِنَايَةٍ عَلَى آدَمِيٍّ، فَلَمْ تُسْمَعُ مِنْ النِّسَاءِ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا، أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْمَالِ، فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّهُنَّ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى دَمٍ بِحَالٍ.

وَلَنَا، أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ عَلَى الْخُصُوصِ، فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ. وَفَارَقَ قَتْلَ الْعَمْدِ؛ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعُقُوبَةِ الَّتِي يُحْتَاطُ بِإِسْقَاطِهَا، فَاحْتِيطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى أَسْبَابِهَا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا، الْمَقْصُودُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى سَبَبِهِ.

[فَصْلٌ ادَّعَى جِنَايَة عَمْد وَقَالَ عَفَوْت عَنْ الْقِصَاصِ فِيهَا]

(٧٠٥٩) فَصْلٌ: وَلَوْ ادَّعَى جِنَايَةَ عَمْدٍ، وَقَالَ: عَفَوْت عَنْ الْقِصَاصِ فِيهَا. لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْفُو عَنْ شَيْءٍ ثَبَتَ لَهُ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْقَتْلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ. وَإِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ إمَّا بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، صَحَّ الْعَفْوُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لَهُ بِوُجُودِ الْقَتْلِ، وَإِنَّمَا خَفِيَ ثُبُوتُهُ عَمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ، عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا مِنْ حِينِ وُجِدَ الْقَتْلُ، فَيَكُونُ الْعَفْوُ مُصَادِفًا لِحَقِّهِ الثَّابِتِ، فَيَنْفُذُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُنَازِعُهُ فِيهِ مُنَازِعٌ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ حِينَ الْعِتْقِ.

[فَصْلٌ لَا يَثْبُت الْقَتْل بِالشَّهَادَةِ إلَّا مَعَ زَوَالِ الشُّبْهَةِ فِي لَفْظِ الشَّاهِدَيْنِ]

(٧٠٦٠) فَصْلٌ: وَلَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالشَّهَادَةِ إلَّا مَعَ زَوَالِ الشُّبْهَةِ فِي لَفْظِ الشَّاهِدَيْنِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ. أَوْ: فَمَاتَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالَا: ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَمَاتَ. أَوْ: فَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا. أَوْ: فَمَاتَ عَقِيبَهُ. أَوْ قَالَا: ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَأَسَالَ دَمَهُ. أَوْ: فَأَنْهَرَ دَمَهُ، فَمَاتَ مَكَانَهُ. لَمْ يَثْبُتْ الْقَتْلُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ عَقِيبَ الضَّرْبِ بِسَبَبٍ آخَرَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ؛ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلٌ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ اتَّكَأَ عَلَيْهِ بِمَرْفِقِهِ فَمَاتَ، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: فَمَاتَ مِنْهُ؟ فَأَعَادَ الرَّجُلُ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: قُمْ، فَلَا شَهَادَةَ لَكَ. وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْجُرْحِ، فَقَالَا: ضَرَبَهُ، فَأَوْضَحَهُ. أَوْ فَاتَّضَحَ مِنْهُ. أَوْ: فَوَجَدْنَاهُ مُوضَحًا مِنْ الضَّرْبَةِ. قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا. وَإِنْ قَالَا: ضَرَبَهُ فَاتَّضَحَ رَأْسُهُ. أَوْ: وَجَدْنَاهُ مُوضَحًا، أَوْ: فَأَسَالَ دَمَهُ، وَوَجَدْنَا فِي رَأْسِهِ مُوضِحَةً. لَمْ يَثْبُتْ الْإِيضَاحُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّضِحَ عَقِيبَ ضَرْبِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ.

وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُوضِحَةِ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي رَأْسِهِ مُوضِحَتَانِ، فَيَحْتَاجَانِ إلَى بَيَانِ مَا شَهِدَا بِهِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>