للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ أَوْسَعَهَا غَيْرُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَهَا الشَّاهِدَانِ، فَيَقُولَانِ: هَذِهِ. وَإِنْ قَالَا: أَوْضَحَهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا مِنْ رَأْسِهِ مُوضِحَةً قَدْرُ مِسَاحَتِهَا كَذَا وَكَذَا. قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا. وَإِنْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ قَدْرَهَا، أَوْ مَوْضِعَهَا. لَمْ يُحْكَمْ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا.

وَإِنْ قَالَا: ضَرَبَ رَأْسَهُ، فَأَسَالَ دَمَهُ. كَانَتْ بَازِلَةً. وَإِنْ قَالَا: فَسَالَ دَمُهُ. لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَسِيلَ دَمُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ. وَإِنْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ، فَقَطَعَ يَدَهُ. وَلَمْ يَكُنْ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَثَبَتَ الْقِصَاصُ؛ لِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ. وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ، وَلَمْ يُعَيِّنَا الْمَقْطُوعَةَ، لَمْ يَثْبُتْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُعَيِّنَا الْيَدَ الَّتِي يَجِبُ الْقِصَاصُ مِنْهَا، وَتَجِبُ دِيَةُ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْيَدَيْنِ.

[فَصْلٌ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ عَمْدًا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ]

(٧٠٦١) فَصْلٌ: إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ عَمْدًا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: عَمْدًا وَلَا خَطَأً. ثَبَتَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَمَّتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَثْبُتْ صِفَتُهُ؛ لِعَدَمِ تَمَامِهَا عَلَيْهِ، وَيُسْأَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَنْ صِفَتِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْقَتْلِ، لَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ، لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِقَتْلِ الْعَمْدِ، ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِقَتْلِ الْخَطَإِ، وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ. وَهَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ؟ يُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهَانِ. وَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ عَلَى الْخَطَإِ، ثَبَتَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِقَتْلِ الْعَمْدِ، وَكَذَّبَهُ الْوَلِيُّ، وَقَالَ: بَلْ كَانَ خَطَأً. لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَدَّعِيهِ، وَتَجِبُ دِيَةُ الْخَطَإِ.

وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا مِنْ دِيَتِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا، وَتَكُونُ فِي مَالِهِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ مُقِرٌّ بِأَنَّهَا فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ عَاقِلَتِهِ. وَإِنْ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ عَمْدًا. وَقَالَ الْآخَرُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ خَطَأً. ثَبَتَ الْقَتْلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ شَهَادَتَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ عِنْدَ أَحَدِهِمَا بِقَتْلِ الْعَمْدِ، وَيُقِرَّ عِنْدَ الْآخَرِ بِقَتْلِ الْخَطَإِ، فَثَبَتَ إقْرَارُهُ بِالْقَتْلِ دُونَ صِفَتِهِ، وَيُطَالَبُ بِبَيَانِ صِفَتِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً، ثَبَتَ الْقَتْلُ أَيْضًا دُونَ صِفَتِهِ، وَيُطَالَبُ بِبَيَانِ صِفَتِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَعْتَقِدُهُ أَحَدُهُمَا خَطَأً، وَالْآخَرُ عَمْدًا، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ.

وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ غَدْوَةً؛ وَقَالَ الْآخَرُ: عَشِيَّةً. وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِسَيْفٍ. وَقَالَ الْآخَرُ: بِعَصًا. لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُخَالِفُ صَاحِبَهُ وَيُكَذِّبُهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْقَتْلِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَأَشْبَهَ الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ، فَإِنَّ الْقَتْلَ غَدْوَةً غَيْرُ الْقَتْلِ عَشِيَّةً؛ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقْتَلَ غَدْوَةً ثُمَّ يُقْتَلَ عَشِيَّةً، وَلَا أَنْ يُقْتَلَ بِسَيْفٍ، ثُمَّ يُقْتَلَ بِعَصًا، بِخِلَافِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>