للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ، وَالْخِلَافُ فِي نِيَّتِهِ وَقَصْدِهِ، وَقَدْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.

وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ، ثَبَتَ الْقَتْلُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِغَيْرِ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ، فَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ. وَلَنَا، أَنَّ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ هُوَ الْقَتْلُ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ عَمْدًا، وَالْآخَرُ بِالْقَتْلِ خَطَأً، أَوْ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ لَهُ.

[فَصْلٌ قَتَلَ رَجُل عَمْدًا قَتَلَا يُوجِب الْقِصَاص سَوَاءٌ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا]

(٧٠٦٢) فَصْلٌ: إذَا قُتِلَ رَجُلٌ عَمْدًا قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَشَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ سَقَطَ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا، أَوْ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ تَضَمَّنَتْ سُقُوطَ حَقِّهِ مِنْ الْقِصَاصِ، وَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَحَدَ الْوَلِيَّيْنِ إذَا عَفَا عَنْ حَقِّهِ، سَقَطَ الْقِصَاصُ كُلُّهُ. وَيُشْبِهُ هَذَا مَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ. فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ بِالْعَفْوِ شَهِدَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْمَالِ، لَمْ يَسْقُطْ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ اعْتَرَفَ أَنَّ نَصِيبَهُ سَقَطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَأَمَّا نَصِيبُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ ثَبَتَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مَقْبُولَ الْقَوْلِ، حَلَفَ الْجَانِي مَعَهُ، وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَقُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ الْجَانِي أَنَّهُ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُسْقِطَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فِي الْيَمِينِ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ الدِّيَةِ.

[فَصْلٌ جُرْح رَجُل فَشَهِدَ لَهُ رَجُلَانِ مِنْ وَرَثَتِهِ غَيْر الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ]

فَصْلٌ: وَإِذَا جُرِحَ رَجُلٌ، فَشَهِدَ لَهُ رَجُلَانِ مِنْ وَرَثَتِهِ غَيْرُ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحُ مُنْدَمِلَةٌ، فَشَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُنْدَمِلَةٍ، لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِجَوَازِ أَنْ تَصِيرَ نَفْسًا، فَتَجِبَ الدِّيَةُ لَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا، فَإِنْ شَهِدَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا، ثُمَّ انْدَمَلَتْ، فَأَعَادَا شَهَادَتَهُمَا، فَهَلْ تُقْبَلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ، فَلَا تُقْبَلُ؛ وَإِنْ زَالَتْ التُّهْمَةُ، كَالْفَاسِقِ إذَا أَعَادَ شَهَادَتَهُ الْمَرْدُودَةَ بَعْدَ عَدَالَتِهِ. وَالثَّانِي: تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ قَدْ تَحَقَّقَ زَوَالُهُ. وَلِلشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.

وَإِنْ شَهِدَ وَارِثَا الْمَرِيضِ بِمَالٍ، فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا لَهُ وَجْهَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>