للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِفِعْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ. ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ؛ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ. وَرَوَى أَبُو يَحْيَى، قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَاةً، فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥] . فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم: ٦٠] .

وَكَتَبَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ الْخَوَارِجَ يَسُبُّونَكَ. فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنْ سَبُّونِي فَسُبُّوهُمْ، أَوْ اُعْفُوا عَنْهُمْ، وَإِنْ شَهَرُوا السِّلَاحَ فَاشْهَرُوا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ ضَرَبُوا فَاضْرِبُوا. وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ» ، فَلَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِغَيْرِهِمْ أَوْلَى. وَقَدْ رُوِيَ فِي خَبَرِ الْخَارِجِيِّ الَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ «، أَنَّ خَالِدًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ:، لَعَلَّهُ يُصَلِّي. قَالَ: رُبَّ مُصَلٍّ لَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ: إنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ.»

[مَسْأَلَة قَالَ فَإِنْ الْ مَا دُفِعُوا بِهِ إلَى نُفُوسِهِمْ]

(٧٠٧٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: فَإِنْ آلَ مَا دُفِعُوا بِهِ إلَى نُفُوسِهِمْ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّافِعِ، وَإِنْ قُتِلَ الدَّافِعُ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ أَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا بِقَتْلِهِمْ، جَازَ قَتْلُهُمْ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُمْ؛ مِنْ إثْمٍ وَلَا ضَمَانٍ وَلَا كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَتَلَ مَنْ أَحَلَّ اللَّهُ قَتْلَهُ، وَأَمَرَ بِمُقَاتَلَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ حَالَ الْحَرْبِ، مِنْ الْمَالِ، لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَضْمَنُوا الْأَنْفُسَ فَالْأَمْوَالُ أَوْلَى. وَإِنْ قُتِلَ الْعَادِلُ، كَانَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي قِتَالٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: ٩] .

وَهَلْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَهِيدُ مَعْرَكَةٍ أُمِرَ بِالْقِتَالِ فِيهَا، فَأَشْبَهَ شَهِيدَ مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ. وَالثَّانِيَةُ، يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاسْتَثْنَى قَتِيلَ الْكُفَّارِ فِي الْمَعْرَكَةِ» ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ شَهِيدَ مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ أَجْرُهُ أَعْظَمُ، وَفَضْلُهُ أَكْثَرُ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهَذَا لَا يَلْحَقُ بِهِ فِي فَضْلِهِ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ مِثْلُ حُكْمِهِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَاسُ عَلَى مِثْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>