للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجْهُ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، أَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَرَوْنَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ، فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، كَالْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنْ الدِّينِ، فَأَشْبَهُوا الْمُرْتَدِّينَ.

[فَصْلٌ الْبُغَاة إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لَيْسُوا بِفَاسِقِينَ]

(٧٠٧٦) فَصْلٌ: وَالْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، لَيْسُوا بِفَاسِقِينَ، وَإِنَّمَا هُمْ يُخْطِئُونَ فِي تَأْوِيلِهِمْ، وَالْإِمَامُ وَأَهْلُ الْعَدْلِ مُصِيبُونَ فِي قِتَالِهِمْ، فَهُمْ جَمِيعًا كَالْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَحْكَامِ، مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا أَعْلَمُ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ خِلَافًا. فَأَمَّا الْخَوَارِجُ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ، إذَا خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، لِأَنَّهُمْ فُسَّاقٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَفْسُقُونَ بِالْبَغْيِ، وَخُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَكِنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ، فَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَقَدْ قُبِلَ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَيُذْكَرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ لَا يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ ذِي رَحِمَهُ الْبَاغِي]

(٧٠٧٧) فَصْلٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ ذِي رَحِمِهِ الْبَاغِي؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ، فَأَشْبَهَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ. وَهُوَ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «كَفَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا حُذَيْفَةَ وَعُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِمُصَاحَبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ.

فَإِنْ قَتَلَهُ، فَهَلْ يَرِثُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، يَرِثُهُ. هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْمِيرَاثَ، كَالْقِصَاصِ وَالْقَتْلِ فِي الْحَجِّ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَرِثُهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» . فَأَمَّا الْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ، فَلَا يَرِثُهُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِتَأْوِيلٍ، أَشْبَهَ قَتْلَ الْعَادِلِ الْبَاغِيَ. وَلَنَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَرِثْهُ، كَالْقَاتِلِ خَطَأً، وَفَارَقَ مَا إذَا قَتَلَهُ الْعَادِلُ، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِحَقٍّ. وَقَالَ قَوْمٌ: إذَا تَعَمَّدَ الْعَادِلُ قَتْلَ قَرِيبِهِ، فَقَتَلَهُ ابْتِدَاءً؛ لَمْ يَرِثْهُ، وَإِنْ قَصَدَ ضَرْبَهُ، لِيَصِيرَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، فَجَرَحَهُ، وَمَاتَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، وَرِثَهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِحَقٍّ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ: هُوَ أَقْرَبُ الْأَقَاوِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>