للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَدْعُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِمَا لَمْ يَتَعَلَّمُوهُ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلِ: " مَا تَقُولُ فِي صَلَاتِك؟ " قَالَ: أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ. فَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَلَّمَهُ إيَّاهُ، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ» . لَمْ يُعَيِّنْ لَهُمْ مَا يَدْعُونَ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ كُلَّ الدُّعَاءِ، إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ بِالدَّلِيلِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ إذَا قَرَأَتْ: «فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ» . قَالَتْ: مُنَّ عَلَيْنَا، وَقِنَا عَذَابَ السَّمُومِ.

وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النِّفَاقِ. وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَشْبَهَ الدُّعَاءَ الْمَأْثُورَ.

(٧٦٦) فَصْلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ لَإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فِي صَلَاتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يَجُوزُ. قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِابْنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَا أَدْعُو لِقَوْمٍ مُنْذُ سِنِينَ فِي صَلَاتِي؛ أَبُوك أَحَدُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ «؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُنُوتِهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» . وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ". وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ.

وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ؛ لِشَبَهِهِ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِمُعَيَّنٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ.

(٧٦٧) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي نَافِلَةً إذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا، أَوْ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا؛ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ، «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ، وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَتَعَوَّذَ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ. قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ. وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَرِيضَةٍ، مَعَ كَثْرَةِ مَنْ وَصَفَ قِرَاءَتَهُ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>