للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ فَقَالَ مَا كَفَرْت] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ مَنْ تَثْبُتُ الرِّدَّةُ بِشَهَادَتِهِ فَأَنْكَرَ]

(٧١٠٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ، فَقَالَ: مَا كَفَرْت. فَإِنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، لَمْ يُكْشَفْ عَنْ شَيْءٍ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ (٧١١٠) : الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ مَنْ تَثْبُتُ الرِّدَّةُ بِشَهَادَتِهِ، فَأَنْكَرَ، لَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ وَاسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّ إنْكَارَهُ يَكْفِي فِي الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يَلْزَمُهُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْكُفْرِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ، قُبِلَ مِنْهُ، وَلَمْ يُكَلَّفْ الشَّهَادَتَيْنِ، كَذَا هَاهُنَا.

وَلَنَا، مَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ أُتِيَ بَرْجَلٍ عَرَبِيٍّ قَدْ تَنَصَّرَ، فَاسْتَتَابَهُ، فَأَبَى أَنْ يَتُوبَ، فَقَتَلَهُ، وَأُتِيَ بِرَهْطٍ يُصَلُّونَ وَهُمْ زَنَادِقَةٌ، وَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الشُّهُودُ الْعُدُولُ، فَجَحَدُوا، وَقَالُوا: لَيْسَ لَنَا دِينٌ إلَّا الْإِسْلَامَ. فَقَتَلَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَتِبْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ اسْتَتَبْتُ النَّصْرَانِيَّ؟ اسْتَتَبْتُهُ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ دِينَهُ، فَأَمَّا الزَّنَادِقَةُ الَّذِينَ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ، فَإِنَّمَا قَتَلْتُهُمْ لِأَنَّهُمْ جَحَدُوا، وَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ. وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ كُفْرُهُ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ بِدُونِ الشَّهَادَتَيْنِ، كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَلِأَنَّ إنْكَارَهُ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ، فَلَمْ تُسْمَعْ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى. فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِالْكُفْرِ ثُمَّ أَنْكَرَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ نَقُولَ فِيهِ كَمَسْأَلَتِنَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَدَّ وَجَبَ بِقَوْلِهِ، فَقُبِلَ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ، فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ، كَالزِّنَى، لَوْ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ فَرَجَعَ، كُفَّ عَنْهُ، وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ.

[فَصْل الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّة]

(٧١١١) فَصْلٌ: وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ مِنْ عَدْلَيْنِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ، إلَّا الْحَسَنَ، قَالَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ إلَّا أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِمَا يُوجِبُ الْقَتْلَ، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهَا إلَّا أَرْبَعَةٌ، قِيَاسًا عَلَى الزِّنَى.

وَلَنَا، أَنَّهَا شَهَادَةٌ فِي غَيْرِ الزِّنَى، فَقُبِلَتْ مِنْ عَدْلَيْنِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى السَّرِقَةِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الزِّنَى، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْأَرْبَعَةُ لِعِلَّةِ الْقَتْلِ، بِدَلِيلِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي زِنَى الْبِكْرِ، وَلَا قَتْلَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ كَوْنُهُ زِنًى، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الرِّدَّةِ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَذْفَ بِالزِّنَى يُوجِبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، بِخِلَافِ الْقَذْفِ بِالرِّدَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>