للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاسْتِحْبَابِ، دُونَ الْإِيجَابِ كَمَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَعْجَبُ إلَيَّ التَّسْلِيمَتَانِ. وَلِأَنَّ عَائِشَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ. قَدْ رَوَوْا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً» وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوعُ وَالْمَسْنُونُ تَسْلِيمَتَيْنِ، وَالْوَاجِبُ وَاحِدَةً، وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْمَلُ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَفْعَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ مَسْنُونَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَلَا يُمْنَعُ حَمْلُ فِعْلِهِ لِهَذِهِ التَّسْلِيمَةِ عَلَى السُّنَّةِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْوَاحِدَةَ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ فِيهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ، فَتُجْزِئُهُ فِيهَا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وَاحِدَةٌ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالنَّافِلَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ» فَإِنَّهُ يَعْنِي فِي إصَابَةِ السُّنَّةِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: أَنْ «يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.» وَكُلُّ هَذَا غَيْرُ وَاجِبٍ. وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، أَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَالنَّافِلَةِ، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ، فَلَا خَوْفَ فِي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا - رِوَايَةً وَاحِدَةً - نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ؛ وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُسَلِّمُوا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَّا تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فِي الصَّلَاة]

(٧٧٢) فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ كَذَلِكَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهُ وَبَرَكَاتُهُ. وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ، وَطُرُقَهُ أَصَحُّ فَإِنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. وَلَمْ يَزِدْ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ. وَالتَّسْلِيمُ يَحْصُلُ بِهَذَا الْقَوْلِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: «كُنْت أَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>