للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِسْحَاقَ. قَالُوهُ فِي الرَّقِيقِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كَامِلًا صَارَ مُحْصَنًا، إلَّا الصَّبِيَّ إذَا وَطِئَ الْكَبِيرَةَ، لَمْ يُحْصِنْهَا، وَنَحْوُهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ. وَاخْتُلِفَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، فَقِيلَ: لَهُ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا، كَقَوْلِنَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَامِلَ يَصِيرُ مُحْصَنًا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، بَالِغٌ عَاقِلٌ، وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَصَارَ مُحْصَنًا، كَمَا لَوْ كَانَ الْآخَرُ مِثْلَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الصَّبِيِّ دُونَ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُحْصَنًا، قَوْلًا وَاحِدًا، إذَا كَانَ كَامِلًا. وَلَنَا، أَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُحْصَنْ بِهِ أَحَدُ الْمُتَوَاطِئَيْنِ، فَلَمْ يُحْصَنْ الْآخَرُ، كَالتَّسَرِّي، وَلِأَنَّهُ مَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا نَاقِصًا، لَمْ يَكْمُلْ الْوَطْءُ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ، كَمَا لَوْ كَانَا غَيْرَ كَامِلَيْنِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ هَلْ يَشْتَرِط الْإِسْلَام فِي الْإِحْصَان]

(٧١٣٧) فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي الْإِحْصَانِ. وَبِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الذِّمِّيَّانِ مُحْصَنَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّةً، فَوَطِئَهَا، صَارَا مُحْصَنَيْنِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الذِّمِّيَّةَ: لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَالثَّوْرِيُّ: هُوَ شَرْطٌ فِي الْإِحْصَانِ. فَلَا يَكُونُ الْكَافِرُ مُحْصَنًا، وَلَا تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» . وَلِأَنَّهُ إحْصَانٌ مِنْ شَرْطِهِ الْحُرِّيَّةُ، فَكَانَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِيهِ، كَإِحْصَانِ الْقَذْفِ. وَقَالَ مَالِكٌ كَقَوْلِهِمْ، إلَّا أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ فِي الزَّوْجَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ. وَلَنَا، مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ الْيَهُودُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِالزِّنَى اسْتَوَتْ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْحَدِّ. وَحَدِيثُهُمْ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا نَعْرِفُهُ فِي مُسْنَدٍ. وَقِيلَ: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. ثُمَّ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى إحْصَانِ الْقَذْفِ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَإِنَّ رَاوِيَهُمَا وَاحِدٌ، وَحَدِيثُنَا صَرِيحٌ فِي الرَّجْمِ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ خَبَرِهِمْ عَلَى الْإِحْصَانِ الْآخَرِ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا رَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّيْنِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، أَقَامَهُ فِيهِمْ، وَفِيهَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: ٤٤] . قُلْنَا: إنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>