للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي ثَوْبِ كَتَّانٍ، وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي ثَوْبِ خَزٍّ، كَمَلَتْ شَهَادَتُهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَكْمُلُ؛ لِتَنَافِي الشَّهَادَتَيْنِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ، فَذَكَرَ كُلُّ اثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَتَرَكَا ذِكْرَ الْآخَرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَبْيَضُ وَعَلَيْهَا قَمِيصٌ أَحْمَرُ، وَإِذَا أَمْكَنَ التَّصْدِيقُ، لَمْ يَجُزْ التَّكْذِيبُ.

[فَصْلٌ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً]

(٧١٩١) فَصْلٌ: وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً، وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً، فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا إجْمَاعًا؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ عَلَى فِعْلٍ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ. وَفِي الرَّجُلِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَكْمُلْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ فِعْلَ الْمُطَاوِعَةِ غَيْرُ فِعْلِ الْمُكْرَهَةِ، وَلَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ مِنْهُمَا يُكَذِّبَانِ الْآخَرَيْنِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، أَوْ يَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَذِّبًا لِلْآخَرِ، إلَّا بِتَقْدِيرِ فِعْلَيْنِ تَكُونُ مُطَاوِعَةً فِي أَحَدِهِمَا، مُكْرَهَةً فِي الْآخَرِ، وَهَذَا يَمْنَعُ كَوْنَ الشَّهَادَةِ كَامِلَةً عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ؛ وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الْمُطَاوِعَةِ قَاذِفَانِ لَهَا، وَلَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى غَيْرِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَوَجْهٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَمَلَتْ عَلَى وُجُودِ الزِّنَا مِنْهُ، وَاخْتِلَافُهُمَا إنَّمَا هُوَ فِعْلُهَا، لَا فِعْلُهُ، فَلَا يَمْنَعُ كَمَالَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ. وَفِي الشُّهُودِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى الرَّجُلِ بِشَهَادَتِهِمْ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِمْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَلَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ، فَلَزِمَهُمْ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهُمْ. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى شَاهِدَيْ الْمُطَاوِعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا قَذَفَا الْمَرْأَةَ بِالزِّنَا وَلَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَى شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْذِفَا الْمَرْأَةَ وَقَدْ كَمَلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا انْتَفَى عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ.

[فَصْلٌ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ بِالزِّنَا فَصَدَّقَهُمْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا]

(٧١٩٢) فَصْلٌ: وَإِذَا تَمَّتْ الشَّهَادَةُ بِالزِّنَا فَصَدَّقَهُمْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا، لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْبَيِّنَةِ الْإِنْكَارُ، وَمَا كَمَلَ الْإِقْرَارُ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] . وَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّبِيلَ بِالْحَدِّ، فَتَجِبُ إقَامَتُهُ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَمَّتْ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>