للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرُمَ النُّطْقُ بِهِ، فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. فَأَمَّا السَّيِّدُ إذَا عَلِمَ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُ إقَامَتَهُ عَلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِمَامِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ إقَامَتَهُ بِعِلْمِهِ، مَعَ قُوَّةِ وِلَايَتِهِ، وَالِاتِّفَاقِ عَلَى تَفْوِيضِ الْحَدِّ إلَيْهِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى. الثَّانِي: يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تَأْدِيبَ عَبْدِهِ بِعِلْمِهِ، وَهَذَا يَجْرِي مَجْرَى التَّأْدِيبِ؛ وَلِأَنَّ السَّيِّدَ أَخَصُّ بِعَبْدِهِ، وَأَتَمُّ وِلَايَةً عَلَيْهِ، وَأَشْفَقُ مِنْ الْإِمَامِ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ.

[فَصْلٌ أُحْبِلَتْ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ]

(٧٢٠١) فَصْلٌ: وَإِذَا أُحْبِلَتْ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا، وَلَا سَيِّدَ، لَمْ يَلْزَمْهَا الْحَدُّ بِذَلِكَ، وَتُسْأَلُ فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا أُكْرِهَتْ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ لَمْ تَعْتَرِفْ بِالزِّنَا، لَمْ تُحَدَّ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهَا الْحَدُّ إذَا كَانَتْ مُقِيمَةً غَيْرَ غَرِيبَةٍ، إلَّا أَنْ تَظْهَرَ أَمَارَاتُ الْإِكْرَاهِ، بِأَنْ تَأْتِيَ مُسْتَغِيثَةً أَوْ صَارِخَةً؛ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالرَّجْمُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا كَانَ مُحْصَنًا، إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ أَنْ تُرْجَمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ لَك عَلَيْهَا سَبِيلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرْجُمُهَا بِحَمْلِهَا، وَعَنْ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ؛ زِنَا سِرٍّ وَزِنَا عَلَانِيَةٍ، فَزِنَا السِّرِّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ، فَيَكُونَ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ، فَيَكُونَ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، وَهَذَا قَوْلُ سَادَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفٌ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.

وَلَنَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ إكْرَاهٍ أَوْ شُبْهَةٍ، وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَرْأَةَ تَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ بِأَنْ يَدْخُلَ مَاءُ الرَّجُلِ فِي فَرْجِهَا، إمَّا بِفِعْلِهَا أَوْ فِعْلِ غَيْرِهَا. وَلِهَذَا تُصُوِّرَ حَمْلُ الْبِكْرِ، فَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابَةِ: فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ، فَرَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ، وَقَدْ حَمَلَتْ، فَسَأَلَهَا عُمَرُ، فَقَالَتْ: إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ، وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَمَا اسْتَيْقَظْت حَتَّى فَرَغَ. فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ.

وَرَوَى الْبَرَاءُ بْنُ صَبِرَةَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ حَامِلٍ، فَادَّعَتْ أَنَّهَا أُكْرِهَتْ، فَقَالَ: خَلِّ سَبِيلَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>