للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ قَالَ طَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاذِفِ بَيِّنَةٌ]

(٧٢١٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (إذَا طَالَبَ الْمَقْذُوفُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاذِفِ بَيِّنَةٌ.) وَجُمْلَتُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ تَمَامِ الْقَذْفِ بِشُرُوطِهِ شَرْطَانِ؛ أَحَدُهُمَا: مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، فَلَا يُسْتَوْفَى قَبْلَ طَلَبِهِ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤] . فَيُشْتَرَطُ فِي جَلْدِهِمْ عَدَمُ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِقْرَارِ مِنْ الْمَقْذُوفِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيِّنَةِ. إنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا، اُعْتُبِرَ شَرْطٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ امْتِنَاعُهُ مِنْ اللِّعَانِ. وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي هَذَا كُلِّهِ. وَتُعْتَبَرُ اسْتِدَامَةُ الطَّلَبِ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ، فَلَوْ طَلَبَ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْحَدِّ، سَقَطَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَقَالَ الْحَسَنُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَفْوِ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ. وَلَنَا أَنَّهُ حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّ بِاسْتِيفَائِهِ، فَسَقَطَ بِعَفْوِهِ، كَالْقِصَاصِ، وَفَارَقَ سَائِرَ الْحُدُودِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي إقَامَتِهَا الطَّلَبُ بِاسْتِيفَائِهَا، وَحَدُّ السَّرِقَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَسْرُوقِ، لَا بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ؛ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا تَصِحُّ دَعْوَاهُ، وَيَسْتَحْلِفُ فِيهِ، وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِيهِ بِعِلْمِهِ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ.

[فَصْلٌ حَدُّ قَذْفِ الْغَائِبِ]

(٧٢١٤) فَصْلٌ: وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَذْفِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، لَمْ تَجُزْ إقَامَتُهُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُطَالِبَ بِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي، فَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَائِهِ، كَالْقِصَاصِ، فَإِذَا بَلَغَ وَطَالَبَ، أُقِيمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَلَوْ قَذَفَ غَائِبًا، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يَقْدَمَ وَيُطَالِبَ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ طَالَبَ فِي غَيْبَتِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَجُوزَ إقَامَتُهُ فِي غَيْبَتِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ؛ لِكَوْنِهِ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. وَلَوْ قَذَفَ عَاقِلًا، فَجُنَّ بَعْدَ قَذْفِهِ وَقَبْلَ طَلَبِهِ، لَمْ تَجُزْ إقَامَتُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَيَطْلُبَ، وَكَذَلِكَ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ قَبْلَ جُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ، جَازَتْ إقَامَتُهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً]

(٧٢١٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، جُلِدَ أَرْبَعِينَ، بِأَدْوَنَ مِنْ السَّوْطِ الَّذِي يُجْلَدُ بِهِ الْحُرُّ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْعَبْدِ إذَا قَذَفَ الْحُرَّ الْمُحْصَنَ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْت أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>