للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ التُّرَابَ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى؛ لِمُوَافَقَتِهِ لَفْظَ الْخَبَرِ، وَلِيَأْتِيَ الْمَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَيُنَظِّفُهُ، وَمَتَى غَسَلَ بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ: " إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ". وَفِي حَدِيثٍ: " أُولَاهُنَّ "، وَفِي حَدِيثٍ: " فِي الثَّامِنَةِ "، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ التُّرَابِ مِنْ الْغَسَلَاتِ غَيْرُ مَقْصُودٍ.

[فَصْلٌ أَصَابَ الْمَحَلَّ نَجَاسَاتٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْحُكْمِ]

(٥٦) فَصْلٌ: إذَا أَصَابَ الْمَحَلَّ نَجَاسَاتٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْحُكْمِ فَهِيَ كَنَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَغْلَظَ، كَالْوُلُوغِ مَعَ غَيْرِهِ، فَالْحُكْمُ لِأَغْلَظِهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا دُونَهُ. وَلَوْ غَسَلَ الْإِنَاءَ دُونَ السَّبْعِ، ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَغَسَلَهُ سَبْعًا، أَجْزَأَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَ عَمَّا يُمَاثِلُ فَعَمَّا دُونَهُ أَوْلَى.

[فَصْلٌ غَسَلَ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ فَأَصَابَ مَاءُ بَعْضِ الْغَسَلَاتِ مَحَلًّا آخَرَ]

(٥٧) فَصْلٌ: وَإِذَا غَسَلَ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ فَأَصَابَ مَاءُ بَعْضِ الْغَسَلَاتِ مَحَلًّا آخَرَ، قَبْلَ تَمَامِ السَّبْعِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ، فَلَا يُرَاعَى فِيهَا حُكْمُ الْمَحَلِّ الَّذِي انْفَصَلَتْ عَنْهُ، كَنَجَاسَةِ الْأَرْضِ وَمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا بِالتُّرَابِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي انْفَصَلَتْ عَنْهُ قَدْ غُسِلَ بِالتُّرَابِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ أَصَابَتْ غَيْرَ الْأَرْضِ، فَأَشْبَهْت الْأُولَى.

وَالثَّانِي: يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْأُولَى سِتًّا، وَمِنْ الثَّانِيَةِ خَمْسًا، وَمِنْ الثَّالِثَةِ أَرْبَعًا، كَذَلِكَ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ تَطْهُرُ فِي مَحَلِّهَا بِدُونِ السَّبْعِ، فَطَهُرَتْ فِي مِثْلِهِ، كَالنَّجَاسَةِ عَلَى الْأَرْضِ؛ وَلِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ، وَالْمُتَّصِلُ يَطْهُرُ بِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ، وَتُفَارِقُ الْمُنْفَصِلَ عَنْ الْأَرْضِ وَمَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي خِفَّتهَا الْمَحَلُّ، وَقَدْ زَالَتْ عَنْهُ، فَزَالَ التَّخْفِيفُ، وَالْعِلَّةُ فِي تَخْفِيفِهَا هَاهُنَا قُصُورُ حُكْمِهَا بِمَا مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ الْغَسْلِ.

وَهَذَا لَازِمٌ لَهَا حَسَبَ مَا كَانَ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ قَدْ انْفَصَلَتْ عَنْ مَحَلِّ غَسْلٍ بِالتُّرَابِ غُسِلَ مَحَلُّهَا بِغَيْرِ تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى بِغَيْرِ تُرَابٍ غُسِلَتْ هَذِهِ بِالتُّرَابِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (٥٨) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّجَاسَةِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ، أَوْ يَدِهِ، أَوْ رِجْلِهِ، أَوْ شَعْرِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ حُكْمُ بَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَحُكْمُ الْخِنْزِيرِ حُكْمُ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَقَعَ فِي الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرُ شَرٌّ مِنْهُ وَأَغْلَظُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَحَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>