للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَنَأْت. وَلَمْ يَقُلْ: فِي الْجَبَلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، لَيْسَ بِقَذْفٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَامِّيًّا لَا يَعْرِفُ مَوْضُوعَهُ فِي اللُّغَةِ، تَعَيَّنَ مُرَادُهُ فِي الْقَذْفِ، وَلَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ سِوَاهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا، كَمَا لَوْ فَسَّرَهُ بِالْقَذْفِ، أَوْ لَحَنَ لَحْنًا غَيْرَ هَذَا.

[فَصْلٌ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ أَوْ لِامْرَأَةٍ يَا زَانٍ]

(٧٢٢٩) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ. أَوْ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانٍ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي قَذْفِهِمَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ، إلَّا أَنْ يُفَسِّرَهُ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: يَا زَانِيَةُ أَيْ: يَا عَلَّامَةُ فِي الزِّنَا، كَمَا يُقَالُ لِلْعَالِمِ: عَلَّامَةٌ. وَلِكَثِيرِ الرِّوَايَةِ: رَاوِيَةٌ. وَلِكَثِيرِ الْحِفْظِ: حَفَظَةٌ. وَلَنَا أَنَّ مَا كَانَ قَذْفًا لِأَحَدِ الْجِنْسَيْنِ، كَانَ قَذْفًا لِلْآخَرِ، كَقَوْلِهِ: زَنَيْت. بِفَتْحِ التَّاءِ وَبِكَسْرِهَا لَهُمَا جَمِيعًا؛ وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ خِطَابٌ لَهُمَا، وَإِشَارَةٌ إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الزِّنَا، وَذَلِكَ يُغْنِي عَنْ التَّمْيِيزِ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَحَذْفِهَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: يَا شَخْصًا زَانِيًا: أَوْ لِلرَّجُلِ: يَا نَسَمَةً زَانِيَةً. كَانَ قَاذِفًا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّامَةٌ فِي الزِّنَا، لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ مَا كَانَ اسْمًا لِلْفِعْلِ إذَا دَخَلَتْهُ الْهَاءُ كَانَتْ لِلْمُبَالَغَةِ، كَقَوْلِهِمْ: حَفَظَةٌ. لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْحِفْظِ، وَرَاوِيَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الرِّوَايَةِ. وَكَذَلِكَ هُمَزَةٌ وَلُمَزَةٌ وَصُرَعَةٌ. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يُذَكِّرُ الْمُؤَنَّثَ، وَيُؤَنِّثُ الْمُذَكَّرَ، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ بِهِ مُرَادًا بِمَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ الصَّحِيحِ.

[فَصْلٌ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِفُلَانَةَ]

(٧٢٣٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: زَنَيْت بِفُلَانَةَ. كَانَ قَاذِفًا لَهُمَا. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا نَاكِحَ أُمِّهِ. مَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حَيَّةً، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِلرَّجُلِ. وَلِأُمِّهِ حَدٌّ. وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ: يَا زَانِي ابْنَ الزَّانِي.، قَالَ عَلَيْهِ حَدَّانِ قُلْت: أَبَلَغَك فِي هَذَا شَيْءٌ؟ قَالَ: مَكْحُولٌ قَالَ: فِيهِ حَدَّانِ. وَإِنْ أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَهُوَ قَاذِفٌ لَهَا، سَوَاءٌ أَلَزِمَهُ حَدُّ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ أَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَيُشْبِهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الزِّنَا بِهَا مِنْ غَيْرِ زِنَاهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مُكْرَهَةً، أَوْ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ.

وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ لَيْثٍ، أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَجَلَدَهُ مِائَةً، وَكَانَ بِكْرًا، ثُمَّ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَقَالَتْ: كَذَبَ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَجَلَدَهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ» . وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَنْفِي الْحَدَّ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَالَ: يَا نَائِكَ أُمِّهِ. فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بِشُبْهَةٍ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ جُلِدَ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ ذَلِكَ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ. فَقَالَتْ: بِك زَنَيْت. فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَا حَدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>