للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهَا فِي قَوْلِهَا: بِك زَنَيْت؛ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الزِّنَا بِهِ مَعَ كَوْنِهِ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ؛ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا، وَلَيْسَ هَذَا بِإِقْرَارٍ صَحِيحٍ. وَلَنَا أَنَّهَا صَدَّقَتْهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: صَدَقْت. وَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ. قَالَتْ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ. وَيَلْزَمُهَا لَهُ هَاهُنَا حَدُّ الْقَذْفِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا أَضَافَتْ إلَيْهِ الزِّنَا، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا أَضَافَتْهُ إلَى نَفْسِهَا.

[مَسْأَلَةٌ قَذَفَ رَجُلًا فَلَمْ يُقَمْ الْحَدُّ حَتَّى زَنَى الْمَقْذُوفُ]

(٧٢٣١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا، فَلَمْ يُقَمْ الْحَدُّ حَتَّى زَنَى الْمَقْذُوفُ، لَمْ يَزُلْ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ) وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيُّ، وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى حَالَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ جُنَّ، لَمْ يُقَمْ الْحَدُّ؛ وَلِأَنَّ وُجُودَ الزِّنَا مِنْهُ يُقَوِّي قَوْلَ الْقَاذِفِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ هَذَا الْفِعْلِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ إذَا طَرَأَ الْفِسْقُ بَعْدَ أَدَائِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا.

وَلَنَا أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَجَبَ وَتَمَّ بِشُرُوطِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِزَوَالِ شَرْطِ الْوُجُوبِ، كَمَا لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا، أَوْ سَرَقَ عَيْنًا، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا أَوْ مَلَكَهَا، وَكَمَا لَوْ جُنَّ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ اسْتِدَامَتُهَا. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ الشُّرُوطَ لِلْوُجُوبِ، فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا إلَى حِينِ الْوُجُوبِ، وَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ، وَيَبْطُلُ بِالْأُصُولِ الَّتِي قِسْنَا عَلَيْهَا. وَأَمَّا إذَا جُنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْحَدُّ، فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ اسْتِيفَاؤُهُ؛ لِتَعَذُّرِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غَابَ مَنْ لَهُ الْحَدُّ. وَإِنْ ارْتَدَّ مَنْ لَهُ الْحَدُّ لَمْ يَمْلِكْ الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُ وَأَمْلَاكَهُ تَزُولُ أَوْ تَكُونُ مَوْقُوفَةً. وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ، فَإِنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِهَا، فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا إلَى حِينِ الْحُكْمِ بِهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الْعِفَّةَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا إلَى حِينِ الْوُجُوبِ.

[فَصْلٌ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ]

(٧٢٣٢) فَصْلٌ: وَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى ذِمِّيٍّ، أَوْ مُرْتَدٍّ، فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْقُطُ. وَلَنَا أَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِدُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا دَخَلَ بِأَمَانٍ.

[مَسْأَلَةٌ قَذَفَ مُشْرِكًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُسْلِمًا لَهُ دُونَ الْعَشْرِ سِنِينَ أَوْ مُسْلِمَةً لَهَا دُونَ التِّسْعِ سِنِينَ]

(٧٢٣٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ قَذَفَ مُشْرِكًا أَوْ عَبْدًا، أَوْ مُسْلِمًا لَهُ دُونَ الْعَشْرِ سِنِينَ، أَوْ مُسْلِمَةً لَهَا دُونَ التِّسْعِ سِنِينَ، أُدِّبَ، وَلَمْ يُحَدَّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>