للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَقِيقًا. فَقَالَ الْمَقْذُوفُ: مَا كُنْت مُشْرِكًا وَلَا رَقِيقًا. نَظَرْنَا، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا أَوْ رَقِيقًا، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا كَذَلِكَ، وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشِّرْكِ وَالرِّقِّ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَإِسْلَامُ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ.

وَالثَّانِيَةُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْقَاذِفِ.

وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتَ مُشْرِكٌ. فَقَالَ الْمَقْذُوفُ أَرَدْت قَذْفِي بِالزِّنَا وَالشِّرْكِ مَعًا. وَقَالَ الْقَاذِفُ: بَلْ أَرَدْت قَذْفَك بِالزِّنَا إذْ كُنْت مُشْرِكًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي بَيِّنَتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا. وَقَوْلُهُ: وَأَنْتَ مُشْرِكٌ، مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَهُوَ حَالٌ لِقَوْلِهِ: زَنَيْت. كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: ٢] .

وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: زَنَيْت. خِطَابٌ فِي الْحَالِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ زِنَاهُ فِي الْحَالِ. وَهَكَذَا إنْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتَ عَبْدٌ. وَإِنْ قَذَفَ مَجْهُولًا، وَادَّعَى أَنَّهُ رَقِيقٌ أَوْ مُشْرِكٌ. فَقَالَ الْمَقْذُوفُ: بَلْ أَنَا حُرٌّ مُسْلِمٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْحَدِّ، وَهُوَ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَمَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ، فَيَكُونُ شُبْهَةً. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ، كَالْوَجْهَيْنِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى مَا خَالَفَهُ، كَمَا لَوْ فَسَّرَ صَرِيحَ الْقَذْفِ بِمَا يُحِيلُهُ، وَكَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مُشْرِكٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِسْلَامُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: أَنَا مُسْلِمٌ. بِخِلَافِ الْحُرِّيَّةِ. قُلْنَا: إنَّمَا يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا الْمَاضِي، فَلَا يَثْبُتُ بِمَا جَاءَ بَعْدَهُ، فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا حَالَ الْقَذْفِ بِقَوْلِهِ فِي حَالِ النِّزَاعِ، فَاسْتَوَيَا.

[مَسْأَلَةٌ قَذَفَ الْمُلَاعِنَةَ]

(٧٢٣٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَ الْمُلَاعِنَةَ) . نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْمُلَاعِنَةِ، أَنْ لَا تُرْمَى، وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا.، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ حَصَانَتَهَا لَمْ تَسْقُطْ بِاللِّعَانِ، وَلَا يُبَتُّ الزِّنَا بِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا بِهِ حَدٌّ. وَمَنْ قَذَفَ ابْنَ الْمُلَاعِنَةِ، فَقَالَ: هُوَ وَلَدُ زِنًا. فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: هُوَ مِنْ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ. فَأَمَّا إنْ قَالَ: لَيْسَ هُوَ ابْنُ فُلَانٍ. يَعْنِي الْمُلَاعِنَ، وَأَرَادَ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>