للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَذْفٍ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْإِسْلَامِ، كَقَذْفِ غَيْرِهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُفْرِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، فَسَبُّ نَبِيِّهِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَالْخِلَافُ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ عَنْهُ، فَأَمَّا تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَقْبُولَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ الذُّنُوبِ كُلِّهَا، وَالْحُكْمُ فِي قَذْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْحُكْمِ فِي قَذْفِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ قَذْفَ أُمِّهِ إنَّمَا أَوْجَبَ الْقَتْلَ؛ لِكَوْنِهِ قَذْفًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْحًا فِي نَسَبِهِ. (٧٢٤١) فَصْلٌ: وَقَذْفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَذْفُ أُمِّهِ، رِدَّةٌ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَخُرُوجٌ عَنْ الْمِلَّةِ، وَكَذَلِكَ سَبُّهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ، إلَّا أَنَّ سَبَّهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ سَبَّ اللَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ، فَسَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى، وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ «، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي، أَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ إنِّي اتَّخَذْت وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ» . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ إسْلَامَ النَّصْرَانِيِّ الْقَائِلِ لِهَذَا الْقَوْلِ يَمْحُو ذَنْبَهُ.

[مَسْأَلَةٌ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ]

(٧٢٤٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَحَدٌّ وَاحِدٌ إذَا طَالَبُوا، أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) وَبِهَذَا قَالَ طَاوُسٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَاهُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ كَامِلٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَلَزِمَهُ لَهُ حَدٌّ كَامِلٌ، كَمَا لَوْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ.

وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] . وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ قَذْفِ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ؛ وَلِأَنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ قَذَفُوا امْرَأَةً، فَلَمْ يَحُدَّهُمْ عُمَرُ إلَّا حَدًّا وَاحِدًا؛ وَلِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَجِبْ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، كَمَا لَوْ قَذَفَ وَاحِدًا؛ وَلِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ بِإِدْخَالِ الْمَعَرَّةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِقَذْفِهِ، وَبِحَدٍّ وَاحِدٍ يَظْهَرُ كَذِبُ هَذَا الْقَاذِفِ، وَتَزُولُ الْمَعَرَّةُ، فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ قَذْفًا مُفْرَدًا، فَإِنَّ كَذِبَهُ فِي قَذْفٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي آخَرَ، وَلَا تَزُولُ الْمَعَرَّةُ عَنْ أَحَدِ الْمَقْذُوفِينَ بِحَدِّهِ لِلْآخَرِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُمْ إنْ طَلَبُوهُ جُمْلَةً، حُدَّ لَهُمْ، وَإِنْ طَلَبَهُ وَاحِدٌ، أُقِيمَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، فَأَيُّهُمْ طَالَبَ بِهِ اسْتَوْفَى وَسَقَطَ، فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الطَّلَبُ بِهِ، كَحَقِّ الْمَرْأَةِ، عَلَى أَوْلِيَائِهَا تَزْوِيجُهَا، إذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ.

وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمْ، فَلِغَيْرِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَاسْتِيفَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ عَنْهُ لَمْ تَزُلْ بِعَفْوِ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي الطَّلَبُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>