للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْنِي إذَا عَادَ فَسَرَقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ، لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ وَحُبِسَ. وَبِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ تُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَفِي الْخَامِسَةِ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَنَّهُمَا قَطَعَا يَدَ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ، وَيُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ؛ لِأَنَّ جَابِرًا قَالَ: «جِيءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَارِقٍ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ. فَقَالَ: اقْطَعُوهُ. قَالَ: فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: اقْطَعُوهُ. قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: اقْطَعُوهُ. ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةَ، قَالَ: اُقْتُلُوهُ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ، فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي السَّارِقِ: وَإِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . وَلِأَنَّ الْيَسَارَ تُقْطَعُ قَوَدًا، فَجَازَ قَطْعُهَا فِي السَّرِقَةِ، كَالْيُمْنَى؛ وَلِأَنَّهُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقْتَدُوا بِاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِي؛ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَلَنَا مَا رَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ . قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ قَتَلْتُهُ إذًا، وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ، بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ؟ فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا، ثُمَّ أَرْسَلَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا، وَلَا رِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا. وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، فَلَمْ يُشْرَعْ فِي حَدٍّ، كَالْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ قَطْعُ الْيَدَيْنِ، لَقُطِعَتْ الْيُسْرَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْبَطْشِ كَالْيُمْنَى، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْطَعْ لِلْمَفْسَدَةِ فِي قَطْعِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِهْلَاكِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>