للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَسْقُطُ حَقُّ صَاحِبِهَا مِنْهَا بِضَرْبِهَا. وَهَذَا شَيْءٌ بَنَيَاهُ عَلَى أُصُولِهِمَا فِي أَنَّ تَغْيِيرَ اسْمِهَا يُزِيلُ مِلْكَ صَاحِبِهَا، وَأَنَّ مِلْكَ السَّارِقِ لَهَا يُسْقِطُ الْقَطْعَ عَنْهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُمَا.

[مَسْأَلَةٌ أَخْرَجَ النَّبَّاشُ مِنْ الْقَبْرِ كَفَنًا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ]

(٧٢٩٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَخْرَجَ النَّبَّاشُ مِنْ الْقَبْرِ كَفَنًا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْمَتَاعُ لِلْحِفْظِ، وَالْكَفَنُ لَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ حِرْزًا لَهُ، وَلِأَنَّ الْكَفَنَ لَا مَالِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ أَوْ لِوَارِثِهِ، وَلَيْسَ مِلْكًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَالْوَارِثُ إنَّمَا مَلَكَ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ.

وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] . وَهَذَا سَارِقٌ، فَإِنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا. وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ الْكَفَنَ يُحْتَاجُ إلَى تَرْكِهِ فِي الْقَبْرِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيُكْتَفَى بِهِ فِي حِرْزِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ الْمَيِّتُ فِي غَيْرِ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْفَظَ كَفَنُهُ، وَيُتْرَكُ فِي الْقَبْرِ وَيُنْصَرَفُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا مَالِكَ لَهُ. مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا عَمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ، وَوَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ، كَقِيَامِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ فِي الطَّلَبِ بِمَالِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الْكَفَنِ مِنْ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ الْحِرْزُ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ اللَّحْدِ وَوَضَعَهُ فِي الْقَبْرِ فَلَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحِرْزِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَلَ الْمَتَاعَ فِي الْبَيْتِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى الْقَبْرَ بَيْتًا» .

[فَصْلٌ الْكَفَنُ الَّذِي يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ]

(٧٢٩٦) فَصْلٌ: وَالْكَفَنُ الَّذِي يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مَا كَانَ مَشْرُوعًا، فَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَفَائِفَ، أَوْ الْمَرْأَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ، فَسُرِقَ الزَّائِدَ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ تَرَكَهُ فِي تَابُوتٍ، فَسُرِقَ التَّابُوتُ، أَوْ تَرَكَ مَعَهُ طِيبًا مَجْمُوعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>