للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّهُ يُحَدُّ بِالزِّنَا بِجَارِيَتِهِ، وَيُقَادُ بِقَتْلِهِ، فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً تَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ، فَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَةِ مَالِهِ كَالْأَبِ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مَالِ الْأَبِ لِابْنِهِ حِفْظًا لَهُ، فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ حِفْظًا لِلْمَالِ، وَأَمَّا الزِّنَا بِجَارِيَتِهِ، فَيَجِبُ بِهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْمَالِ.

[فَصْلٌ هَلْ يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ ذِي رَحِمٍ]

فَصْلٌ: فَأَمَّا سَائِرُ الْأَقَارِبِ، كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ، فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِمْ، وَيُقْطَعُونَ بِسَرِقَةِ مَالِهِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ ذِي رَحِمٍ؛ لِأَنَّهَا قَرَابَةٌ تَمْنَعُ النِّكَاحَ، وَتُبِيحُ النَّظَرَ، وَتُوجِبُ النَّفَقَةَ، أَشْبَهَ قَرَابَةَ الْوِلَادَةِ. وَلَنَا أَنَّهَا قَرَابَةٌ لَا تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ، فَلَا تَمْنَعُ الْقَطْعَ كَقَرَابَةِ غَيْرِهِ، وَفَارَقَ قَرَابَةَ الْوِلَادَةِ بِهَذَا.

[فَصْلٌ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ]

(٧٣٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ مُحْرَزًا عَنْهُ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَإِنْ سَرَقَ مِمَّا أَحْرَزَهُ عَنْهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، حِينَ قَالَ لَهُ: إنَّ غُلَامِي سَرَقَ مِرْآةَ امْرَأَتِي: أَرْسِلْهُ، لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، خَادِمُكُمْ أَخَذَ مَتَاعَكُمْ. وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ عَبْدُهُ بِسَرِقَةِ مَالِهَا، فَهُوَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ حَجْبٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَيَتَبَسَّطُ فِي مَالِ الْآخَرِ عَادَةً، فَأَشْبَهَ الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ.

وَالثَّانِيَةُ: يُقْطَعُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحْرَزًا عَنْهُ، لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. وَلِلشَّافِعِيِّ كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّ الزَّوْجَ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَلَا تُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ فِيهِ.

[فَصْلٌ سَرَقَ مُسْلِمٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ]

(٧٣٠٥) فَصْلٌ: وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ حَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقْطَعُ؛ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>