للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْنَى يَدَيْهِ، وَلَمْ يُقْطَعْ غَيْرُ ذَلِكَ. وَجْهًا وَاحِدًا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي مَحَلِّ الْحَدِّ مَا يُسْتَوْفَى، فَاكْتُفِيَ بِاسْتِيفَائِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْيَدُ نَاقِصَةً، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَإِنْ كَانَ مَا وَجَبَ قَطْعُهُ أَشَلَّ، فَذَكَرَ أَهْلُ الطِّبِّ أَنَّ قَطْعَهُ يُفْضِي إلَى تَلَفِهِ، لَمْ يُقْطَعْ، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَعْدُومِ. وَإِنْ قَالُوا: لَا يُفْضِي إلَى تَلَفِهِ. فَفِي قَطْعِهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرْنَاهُمَا فِي قَطْعِ السَّارِقِ. الْحَالُ الرَّابِعُ، إذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا. الْحَالُ الْخَامِسُ، إذَا تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ. وَيَأْتِي ذِكْرُ حُكْمِهِمَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[مَسْأَلَةٌ قَطْعُ يَدِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ]

(٧٣٢٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَخَذَ مَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي مِثْلِهِ) وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمُحَارِبِ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ، فَكَذَلِكَ النِّصَابُ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ» . وَلَمْ يُفَصِّلْ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ تَعَلَّقَتْ بِهَا عُقُوبَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحَارِبِ، فَلَا تَتَغَلَّظُ فِي الْمُحَارِبِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، كَالْقَتْلِ يَغْلُظُ بِالِانْحِتَامِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا تَتَغَلَّظُ بِقَطْعِ الرِّجْلِ مَعَهَا، وَلَا تَتَغَلَّظُ بِمَا دُونَ النِّصَابِ. وَأَمَّا الْحِرْزُ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ، فَإِنَّهُمْ لَوْ أَخَذُوا مَالًا مُضَيَّعًا لَا حَافِظَ لَهُ، لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ.

وَإِنْ أَخَذُوا مَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَلَا تَبْلُغُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، قُطِعُوا، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِنَا فِي السَّرِقَةِ. وَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا تَكُونَ لَهُمْ شُبْهَةٌ فِيمَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمَالِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْرُوقِ.

[مَسْأَلَةٌ نَفْيُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ]

(٧٣٢٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَنَفْيُهُمْ أَنْ يُشَرَّدُوا، فَلَا يُتْرَكُوا يَأْوُونَ فِي بَلَدٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُحَارِبِينَ إذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا، فَإِنَّهُمْ يُنْفَوْنَ مِنْ الْأَرْضِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّفْيَ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ. وَالنَّفْيُ هُوَ تَشْرِيدُهُمْ عَنْ الْأَمْصَارِ وَالْبُلْدَانِ، فَلَا يُتْرَكُونَ يَأْوُونَ بَلَدًا. وَيُرْوَى نَحْوُ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُنْفَى مِنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ، كَنَفْيِ الزَّانِي. وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>