للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهَا تَوْبَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْحَدِّ، فَأَشْبَهَتْ تَوْبَةَ الْمُحَارِبِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: ١٦] . وَقَالَ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: ٣٩] . فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، يُعْتَبَرُ مُضِيُّ مُدَّةٍ يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ، وَصَلَاحُ نِيَّتِهِ، وَلَيْسَتْ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: مُدَّةُ ذَلِكَ سَنَةٌ. وَهَذَا تَوْقِيتٌ، بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ، فَلَا يَجُوزُ.

[فَصْلٌ حُكْمُ الرِّدْءِ مِنْ الْقُطَّاعِ]

(٧٣٣٠) فَصْلٌ: وَحُكْمُ الرِّدْءِ مِنْ الْقُطَّاعِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ عَلَى الرِّدْءِ إلَّا التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعِينِ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ. وَلَنَا أَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَارَبَةِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ، كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَنَعَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُبَاشِرُ مِنْ فِعْلِهِ إلَّا بِقُوَّةِ الرِّدْءِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ. فَعَلَى هَذَا، إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ، فَيَجِبُ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ. وَإِنْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ الْمَالَ، جَازَ قَتْلُهُمْ وَصَلْبُهُمْ، كَمَا لَوْ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

[فَصْلٌ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ]

(٧٣٣١) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْ غَيْرِهِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَيَصِيرُ الْقَتْلُ لِلْأَوْلِيَاءِ، إنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، فَالشُّبْهَةُ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ شُبْهَةٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ. وَلَنَا أَنَّهَا شُبْهَةٌ اخْتَصَّ بِهَا وَاحِدٌ، فَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ. وَمَا ذَكَرُوهُ لَا أَصْلَ لَهُ. فَعَلَى هَذَا، لَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِنْ بَاشَرَا الْقَتْلَ وَأَخَذَا الْمَالَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْحُدُودِ، وَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا أَخَذَا مِنْ الْمَالِ فِي أَمْوَالِهِمَا، وَدِيَةُ قَتِيلِهِمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الرِّدْءِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْمُبَاشِرِ، لَمْ يَثْبُتْ لِمَنْ هُوَ تَبَعٌ لَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ غَيْرَهُمَا، لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِمَا حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الرِّدْءِ ثَبَتَ بِالْمُحَارَبَةِ.

[فَصْلٌ كَانَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فِيهِمْ امْرَأَةٌ]

(٧٣٣٢) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ، ثَبَتَ فِي حَقِّهَا حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ، فَمَتَى قَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ، فَحَدُّهَا حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>