للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ أَشَدُّ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ]

(٧٣٥٧) فَصْلٌ: أَشَدُّ الضَّرْبِ فِي الْحَدِّ ضَرْبُ الزَّانِي، ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ، ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ، ثُمَّ التَّعْزِيرُ. وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّهَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ أَمْرًا وَاحِدًا، وَمَقْصُودُ جَمِيعِهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الزَّجْرُ، فَيَجِبُ تَسَاوِيهَا فِي الصِّفَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ:

«التَّعْزِيرُ أَشَدُّهَا، ثُمَّ حَدُّ الزَّانِي، ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ، ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ. وَلَنَا» أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ الزَّانِيَ بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢] فَاقْتَضَى ذَلِكَ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ فِيهِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ، فَتَعَيَّنَ جَعْلُهُ فِي الصِّفَةِ؛ وَلِأَنَّ مَا دُونَهُ أَخَفُّ مِنْهُ عَدَدًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ فِي إيلَامِهِ وَوَجَعِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، أَوْ زِيَادَةِ الْقَلِيلِ عَلَى أَلَمِ الْكَثِيرِ.

[مَسْأَلَةٌ يُجْلَدُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ أَرْبَعِينَ بِدُونِ سَوْطِ الْحُرِّ]

(٧٣٥٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُجْلَدُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ أَرْبَعِينَ، بِدُونِ سَوْطِ الْحُرِّ) . هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّ حَدَّ الْحُرِّ فِي الشُّرْبِ ثَمَانُونَ. فَحَدُّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ نِصْفُهَا أَرْبَعُونَ.

وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، حَدُّهُمَا عِشْرُونَ، نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ، بِدُونِ سَوْطِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خُفِّفَ عَنْهُ فِي عَدَدِهِ؛ خُفِّفَ عَنْهُ فِي صِفَتِهِ، كَالتَّعْزِيرِ مَعَ الْحَدِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَوْطُهُ كَسَوْطِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ التَّنْصِيفُ إذَا كَانَ السَّوْطُ مِثْلَ السَّوْطِ، أَمَّا إذَا كَانَ نِصْفًا فِي عَدَدِهِ، وَأَخَفَّ مِنْهُ فِي سَوْطِهِ، كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ النِّصْفَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] .

[فَصْلٌ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ]

(٧٣٥٩) فَصْلٌ: وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ. وَبِهَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَرَى إقَامَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَلَنَا مَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسْتَقَادَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُدُودُ» وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ: أَخْرِجَاهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاضْرِبَاهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَقَالَ: يَا قَنْبَرُ، أَخْرِجْهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاقْطَعْ يَدَهُ. وَلِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>