للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا لَوْ تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا، يُحَقِّقُهُ أَنَّ التَّطْهِيرَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا حَصَلَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلِ الْآدَمِيِّ، كَتَطْهِيرِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْأَرْضِ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا فِي مَذْهَبِنَا، فَقَالَ: وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ. وَقِيلَ: تَطْهُرُ.

وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: «كَانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الْمَائِدَةُ، سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ لِيَتِيمٍ؟ قَالَ: أَهْرِيقُوهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَتَّخِذُ الْخَمْرَ خَلًّا؟ قَالَ: لَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ، «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا؟ فَقَالَ: أَهْرِقْهَا قَالَ: أَفَلَا أُخَلِّلُهَا؟ قَالَ: لَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَهَذَا نَهْيٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَلَوْ كَانَ إلَى اسْتِصْلَاحِهَا سَبِيلٌ، لَمْ تَجُزْ إرَاقَتُهَا، بَلْ أَرْشَدَهُمْ إلَيْهِ، سِيَّمَا وَهِيَ لِأَيْتَامٍ يَحْرُمُ التَّفْرِيطُ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَرُوِيَ

أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ خَلُّ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ تَوَلَّى إفْسَادَهَا. وَلَا بَأْسَ عَلَى مُسْلِمٍ ابْتَاعَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ خَلًّا، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ لِإِفْسَادِهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّهْيُ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ " بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. وَهَذَا قَوْلٌ يَشْتَهِرُ؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ بِهِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يُنْكَرْ. فَأَمَّا إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ وَتَحِلُّ، فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَوَائِلِ، أَنَّهُمْ اصْطَبَغُوا بِخَلِّ خَمْرٍ؛ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ. وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ أَنَّهُمْ اتَّخَذُوهُ خَلًّا، وَلَا أَنَّهُ انْقَلَبَ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ قَدْ بَيَّنَهُ عُمَرُ بِقَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ خَلُّ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ يَتَوَلَّى إفْسَادَهَا. وَلِأَنَّهَا إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا، فَقَدْ زَالَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِهَا، مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ خَلَّفَتْهَا، فَطَهُرَتْ، كَالْمَاءِ إذَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُكْثِهِ.

وَإِذَا أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ تَنَجَّسَ بِهَا، ثُمَّ إذَا انْقَلَبَتْ، بَقِيَ مَا أُلْقِيَ فِيهَا نَجِسًا، فَنَجَّسَهَا وَحَرَّمَهَا. فَأَمَّا إنْ نَقَلَهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ، فَتَخَلَّلَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْقِيَ فِيهَا شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ تَخْلِيلَهَا، حَلَّتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا. وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَخْلِيلَهَا، اُحْتُمِلَ أَنْ تَطْهُرَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا الْقَصْدُ، فَلَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَطْهُرَ؛ لِأَنَّهَا خُلِّلَتْ، فَلَمْ تَطْهُرْ، كَمَا لَوْ أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ.

[مَسْأَلَةٌ الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

(٧٣٦٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ فِضَّةٍ. وَحُكِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>