للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُرِّيَّةُ فَتُشْتَرَطُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُبَايِعُ الْحُرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ، وَيُبَايِعُ الْعَبْدَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْجِهَادِ» ، وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَبْدِ، كَالْحَجِّ. وَأَمَّا الذُّكُورِيَّةُ فَتُشْتَرَطُ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ فَقَالَ: جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ؛ الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ» . وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ؛ لِضَعْفِهَا وَخَوَرِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا. وَلَا يَجِبُ عَلَى خُنْثَى مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ ذَكَرًا، فَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ فِي شَرْطِهِ.

وَأَمَّا السَّلَامَةُ مِنْ الضَّرَرِ، فَمَعْنَاهُ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَمَى وَالْعَرَجِ وَالْمَرَضِ، وَهُوَ شَرْطٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: ٦١] . وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ تَمْنَعُهُ مِنْ الْجِهَادِ؛ فَأَمَّا الْعَمَى فَمَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْعَرَجُ، فَالْمَانِعُ مِنْهُ هُوَ الْفَاحِشُ الَّذِي يَمْنَعُ الْمَشْيَ الْجَيِّدَ وَالرُّكُوبَ، كَالزَّمَانَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْيَسِيرُ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شِدَّةُ الْعَدْوِ، فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْهُ، فَشَابَهَ الْأَعْوَرَ.

وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ الْمَانِعُ هُوَ الشَّدِيدُ، فَأَمَّا الْيَسِيرُ مِنْهُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ إمْكَانَ الْجِهَادِ، كَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالصُّدَاعِ الْخَفِيفِ، فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجِهَادُ، فَهُوَ كَالْعَوَرِ. وَأَمَّا وُجُودُ النَّفَقَة، فَيُشْتَرَطُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٩١] وَلِأَنَّ الْجِهَادَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِآلَةٍ، فَيُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا.

فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلزَّادِ وَنَفَقَةِ عَائِلَتِهِ فِي مُدَّةِ غِيبَتِهِ، وَسِلَاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ قَرِيبٌ. وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، اُعْتُبِرَ مَعَ ذَلِكَ الرَّاحِلَةُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: ٩٢]

[فَصْلٌ أَقَلّ الْجِهَاد مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ.]

(٧٤١٥) وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَهِيَ بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ، فَكَذَلِكَ مُبْدَلُهَا وَهُوَ الْجِهَادُ، فَيَجِبُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، إلَّا مِنْ عُذْرٍ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ فِي عَدَدٍ أَوْ عُدَّةٍ، أَوْ يَكُونَ يَنْتَظِرُ الْمَدَدَ يَسْتَعِينُ بِهِ، أَوْ يَكُونَ الطَّرِيقُ إلَيْهِمْ فِيهَا مَانِعٌ أَوْ لَيْسَ فِيهَا عَلَفٌ أَوْ مَاءٌ، أَوْ يَعْلَمَ مِنْ عَدُوِّهِ حُسْنَ الرَّأْيِ فِي الْإِسْلَامِ، فَيَطْمَعَ فِي إسْلَامِهِمْ إنْ أَخَّرَ قِتَالَهُمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَرَى الْمَصْلَحَةَ مَعَهُ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ، فَيَجُوزُ تَرْكُهُ بِهُدْنَةٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَالِحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ، وَأَخَّرَ قِتَالَهُمْ حَتَّى نَقَضُوا عَهْدَهُ، وَأَخَّرَ قِتَالَ قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ بِغَيْرِ هُدْنَةٍ. وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْقِتَالِ فِي عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَجَبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَوَجَبَ مِنْهُ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>