للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ النِّسَاءِ الشَّوَابِّ أَرْضَ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَقَلَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِنَّ فِيهِ، لِاسْتِيلَاءِ الْخَوَرِ وَالْجُبْنِ عَلَيْهِنَّ.

وَلَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهِنَّ، فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْهُنَّ، وَقَدْ رَوَى حَشْرَجُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ، أَنَّهَا «خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ سَادِسَةَ سِتِّ نِسْوَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ إلَيْنَا، فَجِئْنَا، فَرَأَيْنَا مِنْهُ الْغَضَبَ، فَقَالَ: مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشَّعْرَ، وَنُعِينُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى، وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ، وَنَسْقِي السَّوِيقَ. فَقَالَ: قُمْنَ. حَتَّى إذَا فَتَحَ اللَّهُ خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا، كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ، فَقُلْت لَهَا: يَا جَدَّةُ، مَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: تَمْرًا» .

. قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: هَلْ كَانُوا يَغْزُونَ مَعَهُمْ بِالنِّسَاءِ فِي الصَّوَائِفِ؟ قَالَ: لَا إلَّا بِالْجَوَارِي. فَأَمَّا الْمَرْأَةُ الطَّاعِنَةُ فِي السِّنِّ، وَهِيَ الْكَبِيرَةُ، إذَا كَانَ فِيهَا نَفْعٌ، مِثْلَ سَقْيِ الْمَاءِ، وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى، فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ، وَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَنَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ، تَغْزُوَانِ مَعَ النَّبِيِّ، فَأَمَّا نَسِيبَةُ فَكَانَتْ تُقَاتِلُ، وَقُطِعَتْ يَدُهَا يَوْمَ الْيَمَامَةِ. وَقَالَتْ الرُّبَيِّعُ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ لِسَقْيِ الْمَاءِ، وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى.» وَقَالَ أَنَسٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ، يَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْرِجُ مَعَهُ مَنْ تَقَعُ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ مِنْ نِسَائِهِ، وَخَرَجَ بِعَائِشَةَ مَرَّاتٍ. قِيلَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، يَأْخُذُهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا، وَيَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْأَمِيرِ عِنْدَ حَاجَتِهِ، وَلَا يُرَخَّصُ لِسَائِرِ الرَّعِيَّةِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى مَا ذَكَرْنَا. .

[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْأَمِيرِ أَنْ يَرْفُقَ بِجَيْشِهِ فِي الْحَرْبِ]

(٧٤٤١) فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْأَمِيرِ أَنْ يَرْفُقَ بِجَيْشِهِ، وَيَسِيرُ بِهِمْ سَيْرَ أَضْعَفِهِمْ، لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْجِدِّ فِي السَّيْرِ جَازَ لَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَدَّ فِي السَّيْرِ جَدًّا شَدِيدًا، حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. لِيَشْتَغِلَ النَّاسُ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ» . وَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ جَدَّ فِي السَّيْرِ حِينَ اسْتَصْرَخَ عَلَى صَفِيَّةَ امْرَأَتِهِ.

وَلَا يَمِيلُ الْأَمِيرُ مَعَ مُوَافِقِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَالنَّسَبِ عَلَى مُخَالِفِيهِ فِيهِمَا لِئَلَّا يَكْسِرَ قُلُوبَهُمْ، فَيَخْذُلُونَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِمْ. وَيُكْثِرُ الْمُشَاوَرَةَ لِذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>